ميشال عون… طبعة ميرنا الشالوحي!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بعد أقل من شهرين على خروجه من “باب” بعبدا، عاد ميشال عون ليطل على اللبنانيين من “شباك” ميرنا الشالوحي، وليقطع عليهم فترة “النقاهة”، التي هم بأمس الحاجة إليها حتى ينسوا – إن أمكن – ما حل بهم إبان عهده من “عذابات” ما زالت سارية المفعول وستبقى راسخة أقله في ذاكرتهم الى أجل غير مسمى، وليحاولوا – قدر المستطاع – العودة الى حياتهم العادية بعد ست سنوات عجاف قضوها تحت رئاسته في طبعته السابقة كرئيس للجمهورية، بعدما ذاقوا كذلك كل ألوان الخوف والعذاب والخذلان في طبعاته السابقة عبر مسيرته وخط سيره من بعبدا إلى السفارة الفرنسية فباريس، ومن ثم الرابية فحارة حريك إلى بعبدا مجدداً.

في المرة الأولى دخل بعبدا كرئيس لحكومة عسكرية كانت مهمتها تأمين إنتخاب رئيس للجمهورية، فكان أن دخل بحروب متعددة برعاية فرنسية وعراقية يومها، إنتهت به لاجئاً في السفارة الفرنسية في بيروت وباللبنانيين يرزحون تحت وصاية سورية بموافقة دولية، ومن ثم طار إلى باريس حيث حل لاجئاً معارضاً للطائف والوصاية السورية، وما أسماه يومها “هجوم الفرس على لبنان عبر سلاح حزب الله لفرض تطبيق ولاية الفقيه”. أسَّسَ في فرنسا “التيار الوطني الحر”، فصال وجال وصولاً إلى الكونغرس الأميركي طالباً معاقبة سوريا والمساعدة في “تحرير” لبنان من جيشها، قبل أن يعود إلى لبنان بصفقة مع النظام الأمني اللبناني – السوري بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويستقر في الرابية كرئيس كتلة نيابية بإسم “التغيير والاصلاح”، فقاده التغيير الذي كان تغييراً في المسار إلى حارة حريك، والاصلاح الذي تحول إلى “إصلاح” في المبادئ والأفكار إلى تفاهم مار مخايل، الذي أصبح بموجبه “شريكاً” لـ “حزب الله” في كل سياساته، من رفض المحكمة الدولية إلى الاعتصام الشهير في وجه حكومة فؤاد السنيورة الذي أوصل إلى 7 أيار 2008، فإتفاق الدوحة الذي أدخله السلطة “شريكاً مضارباً” ومعطِّلاً متى لزم الأمر واقتضت مصلحته السياسية أو مصلحة شريكه في التفاهم، تارة بإسم إستعادة حقوق المسيحيين وأخرى بإسم مواجهة “المؤامرة الكونية” ضد المقاومة ومحور الممانعة، فكان الفراغ الأول بعد إميل لحود ومن ثم الفراغ الثاني بعد ميشال سليمان، الذي إستمر لـ 29 شهراً بفعل تعطيل الجلسات من التيار وحلفائه في فريق 8 آذار – كما يجري اليوم – تمهيداً لفرضه رئيساً ولو عبر تفاهم معراب تحت شعار “أوعا خيك”، ومن ثم التفاهم مع تيار “المستقبل” تحت شعار “التسوية الرئاسية”، لتبدأ طبعة جديدة من ميشال عون هي طبعة الرئيس، وذلك بعد طبعة الجنرال ثم رئيس التيار، ومن بعدها النائب ورئيس تكتل نيابي، ثم الزعيم السياسي.

اليوم وبعد إنقضاء فترة ولايته الرئاسية بما حملتها من مصائب وويلات للبلد والناس، يطل علينا ميشال عون بطبعة جديدة من ميرنا الشالوحي وهي طبعة ميشال عون “الثائر”، الذي “ما خلوه” يستكمل ثورته في الحكم، فأتى بطبعته الجديدة يرغي ويزبد – كعادته على أية حال – ويشحذ همم أنصاره ومريديه، ويطالب برئيس جديد على شاكلته ليتابع “ثورته”، ويستكمل “إنجازاته” التي لم يتبقَ منها الكثير لتكتمل، ليذكرنا بذلك بتصريحات “باشكاتب عهده” حسان دياب، عندما تحدث عن 97 بالمئة من إنجازات حكومته، في كلام يُبرز حالة الإنكار التي لا يزال يعيشها هو وفريقه السياسي، وحالة الإنفصام والإنفصال عن الواقع المر الذي خلفته تجربته السياسية سواء في الحكم أو خارجه، هذا الإنكار والإنفصام الذي يصل حد “الوقاحة” كما وصفه أحد الكتَّاب، وهو الوصف الأقرب الى الحقيقة والأدق – للأسف – لما أدلى به الرئيس السابق من مغالطات وكأنه يعيش في عالم آخر أو في كوكب خاص به.

تأتي هذه التصريحات في ظل الفراغ الرئاسي الذي بات سمة لبنانية منذ دخل ميشال عون مجال السياسة، حيث بدأ حياته السياسية نتيجة فراغ رئاسي كان له دور كبير في الوصول إليه عام 1988، وكذلك الحال منذ عودته من المنفى الباريسي كما سبق وأسلفنا، بحيث لم ينتهِ أي عهد، ولم يُنتخَب أي رئيس منذ عودته بصورة طبيعية كما كان الحال قبل الحرب الأهلية أو بعد إتفاق الطائف، ويحدثونك بعدها عن حقوق المسيحيين في السلطة، وعن صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، وهم من يعطلون إنتخابه على مبدأ “أنا أو لا أحد”، وشعار “أنا الرئيس، والرئيس أنا” ومن بعدي الطوفان، بحيث لم يتبقَ للمسيحيين ولبنان بعد كل ما جرى ويجري، وفي ليلة الميلاد المجيد، سوى الدعاء بأن يكون الله وحده هو “عون” هذا البلد الحبيب لبنان، والمسيحيين فيه خصوصاً قبل فوات الأوان، بعد أن جرّبوا “عون” الجنرال والنائب والزعيم والرئيس، وكانت النتيحة أن تحوّل البلد الذي كان في يوم من الأيام أشبه بالجنة على الأرض، إلى ما يشبه “جهنم”، وربما أسوأ.

شارك المقال