السياسة عبر الـ “Like” واعتماد الشعبوية

محمد شمس الدين

شكلت مواقع التواصل الاجتماعي ثورة بكل معنى الكلمة في عالم التواصل، فقد هجم الناس حول العالم ليعيشوا حياتهم في الفضاء الافتراضي، وأصبحت كل جوانب الحياة تنشر أونلاين، ما فتح فرص عمل جديدة كلها متعلقة بالاعلام الرقمي، بحيث واكبت الشركات العصر وبدأت عرض المنتجات والخدمات على مواقع التواصل، مما مهد الطريق إلى البلوغرز وصانعي المحتوى. ولم يأخذ الأمر وقتاً طويلاً، حتى تسللت السياسة إلى عالم مواقع التواصل، لدرجة أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تمكن من الفوز بالرئاسة عبرها، وأصبحت الدول ذات الأنظمة الموجهة، عند حصول أي تظاهرات أو أحداث قد تخل بأمنها، توقف وسائل التواصل في البلد، كي تسيطر على الوضع. ولبنان طبعاً ليس بعيداً عن التطورات الرقمية العالمية، تحديداً بعد “ثورة 17 تشرين” 2019، بحيث كان لمواقع التواصل دور فاعل في النشاط السياسي وتجييش الرأي العام، ولكن كما كل شيء فيه إيجابيات في مكان ما، هناك سلبيات لمواقع التواصل، تحديداً في العمل السياسي في لبنان.

مواقع التواصل فرضت نفسها على الواقع اللبناني، فقد دأب العديد من السياسيين والناشطين في مجال السياسية على نشر المحتوى الذي يمكن أن يجمع لهم أكبر عدد من اللايكات والتعليقات، وبدل أن يكون العمل السياسي مبنياً على أسس مهنية، أصبح العديد منهم يتجهون الى الشعبوية، التي تجعل اسمهم متداولاً في مواقع التواصل، وهذا أمر يتقنه عدد من النواب الجدد، ولحقهم فيه بعض النواب القدامى، الذين أصبحوا يوظفون شركات علاقات عامة ودعاية وإعلام، من أجل تقديم المشورة في كيفية الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الناشطين على وسائل التواصل ومحاولة التأثير فيهم، وربما أكبر دليل على ذلك ما يقوم بنشره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تحت عنوان “دقيقة مع جبران”، ويتطابق مع أحدث وسائل إيصال الأفكار، “الرييل”، الذي عادة لا يتخطى الدقيقة الواحدة.

أما النواب التغييريون، فهم محترفون أساساً في هذا النوع من التسويق، ويعلمون تماماً ما هي التحركات والمصطلحات التي يجب أن يستعملوها كي يثيروا الجدل، من أجل نشر أفكارهم عند أكبر قدر ممكن من الجمهور، ولوحظ ذلك من أدائهم في المجلس النيابي والمحطات التي خاضوها منذ وصولهم.

اعتماد نهج الـ “اللايك” له سيئات عديدة، فهو يخلط بين النصوص والنفوس، اذ يمكن التحدث بشعبوية في ملف ما، ولكن هل يكون قابلاً للتطبيق قانوناً؟ لنأخذ ملف انفجار مرفأ بيروت مثالاً، القانون اللبناني يحكم أن محاكمة الوزراء والرؤساء تتم عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وبالتالي لا تكون هناك صلاحية للمحقق العدلي في ملاحقتهم، يدعم بعض النواب الشعبويين فكرة أن يحاكم الملاحقون في الملف عبر المحقق العدلي، ولكن النصوص ليست في صفهم، على الرغم من محاولات الاجتهاد التي يفتي بها البعض، وكذلك خطوات القاضي طارق البيطار الأخيرة، في النص القانوني ليست صحية، وهذا ما أكده نادي قضاة لبنان على الرغم من أنه يؤيد البيطار فعلياً، ولكنه اعترف بإشكال قانوني في خطواته. إلا أنه على الرغم من ذلك، ترى مشاهد لقوى سياسية عديدة تحاول الفوز بالشعبوية، وتناقل مقاطعها التي تشبه عملاً درامياً قصيراً، يدغدغ مشاعر الجمهور، بدل أن تلجأ إلى النصوص، أو تقترح تغييرها كما فعل تيار “المستقبل” بعد انفجار المرفأ عندما قدم مشروع قانون يقتضي رفع الحصانات وإلغاء كل الجهات المختصة بالمحاكمة وحصر ملف المرفأ استثنائياً بالمحقق العدلي.

هذه مشكلة اعتماد الشعبوية والبحث عن “اللايك” في العمل السياسي، أنها تعمد إلى القفز فوق النصوص الدستورية والقانونية، مراعاة للجماهير، بدل تصويب الأمر لدى الجمهور، ومصارحته بصورة واضحة بما ينص عليه الدستور والقوانين، وأنه في حال تغيير أمر ما يجب أن يتم عبر الأصول والقوانين، وليس عبر الهوبرة الاعلامية والتصفيق و”اللايك”. فبلاد العالم كله تحترم نصوص قوانينها، حتى أن القضاء هو أكثر من يحرص على هذه القوانين، وإن كانت هناك من حاجة، يقدم السياسيون والمشرّعون في هذه البلاد على تقديم اقتراحات لتغيير القوانين، كي يحققوا مآرب الجمهور، ولا يقبلوا بتخطيها والقفز فوقها.

شارك المقال