ليكن “العائلات البيروتية” من النخب الشبابية الواعدة

زياد سامي عيتاني

ما يتم تناقله من أخبار مؤسفة ومؤلمة عما تشهده كواليس اللقاءات والاجتماعات التي تعقد، تحضيراً لانتخابات “إتحاد جمعيات العائلات البيروتية”، يبعث على الخجل والقلق في نفوس البيروتيين، من جراء الخفة والاستهتار اللذين وصل إليهما التعاطي مع الشؤون ذات الصلة في العاصمة.

ففي الوقت الذي تعيش فيه بيروت حالة غير مسبوقة من الاستهداف المنظم والمبرمج للقضاء على دورها التاريخي، تتداعى حفنة من البيروتيين إلى جلسات في المقاهي (على صحن فول ونفس أركيلة) للتداول والتباحث بشأن إنتخابات “إتحاد جمعيات العائلات البيروتية” المرتقبة في 24 شباط، بهدف “تركيب” تحالفات ولوائح على طريقة “البازارات”، بين الساعين للوصول إلى “جنة” الاتحاد.

وما يدعو للسخرية والاستهجان في آن معاً، إحتدام المعركة الانتخابية بين مجموعتين من الرؤساء والأعضاء الحاليين والسابقين، للإمساك بمقدرات الاتحاد، في إطار تصفية حسابات شخصية في ما بينهم، وكأن بيروت في أبهى حال، وأبناءها ينعمون بالرخاء والهناء، وأنها مكتسبة كامل حقوقها الخدماتية والرعائية والانمائية والادارية والبلدية.

إزاء هذه العقلية المتحكمة، سيعاد إنتاج الاتحاد نفسه بكل خيباته وفشله وإخفاقاته ومصداقيته المهزوزة وتمثيله المفقود ودوره المعدوم، مع بعض “البوتوكس” التجميلي بإدخال أعضاء جدد للتمويه والتورية.

هذا السلوك الحاصل، يؤكد المؤكد أن الهيئة الادارية الجديدة – القديمة للاتحاد، لن يعوّل عليها للنهوض به وجعله متفاعلاً مع بيئته البيروتية، كي يحاكي هواجسها ويلامس همومها ويعالج مشكلاتها ومعضلاتها المزمنة والمتراكمة.

وهذا ما يجعل الاتحاد في ظل العقلية السائدة عاجزاً عن الإرتقاء إلى حالة بيروتية جدية وجذرية وحقيقية، من خلال الخروج عن نمطية ما هو عليه (وسيبقى على ما يبدو) من حالة إستعراضية للتصفيق في المناسبات والولائم والجلوس في الصفوف الأمامية وإلتقاط الصور التذكارية، والعطاء الترويجي المُذل (صناديق المواد الغذائية) لبعض العائلات “المستورة” خلال شهر رمضان المبارك.

هنا، تقتضي الاشارة التوضيحية، إلى أنه ليس المقصود الانتقاص من قيمة أي من أعضاء الاتحاد الحاليين والسابقين، الذين هم من كرام الناس وموضع إحترام وتقدير، إنما التصويب هو على الاتحاد كشخصية معنوية، وكأداء وسلوك، لم يرتقيا إلى مستوى المسؤولية التي كان من المفروض أن تكون ملقاة على عاتقه.

حان الوقت لكل من الرؤساء والأعضاء الذين تعاقبوا مشكورين على إدارة الاتحاد على مدى 25 عاماً، وقدموا له كل ما بوسعهم تقديمه، أن يفسحوا المجال أمام الجيل الشبابي وتشجيعه لأخذ دوره في تولي المسؤولية عن مرافق مدينته ومؤسساتها على الصعد كافة، لأن بيروت في محنتها ومأساتها، باتت أحوج ما تكون إلى نخب جديدة، (وتزخر بهم عائلاتها)، ليست لديهم “أجندات” سياسية، ولا طموحات شخصية، كي يوظفوا طاقاتهم وخبراتهم لانتاج رؤى ومشاريع متجددة وتحديثية، لإنقاذ العاصمة، وإنتشال أهلها وأبنائها من حالة البؤس الاجتماعي، والإحباط والإنكسار المعنوي، عبر تفعيل مؤسساتها التاريخية على الصعد كافة (دينية، إجتماعية، تربوية، صحية، تنموية، الخ…)، وإعادة بناء بنيتها التحتية والفوقية ومرافقها العامة، ودفع عجلتها الاقتصادية، حتى تستعيد إزدهارها ووجهها الحضاري. وهذا يستحيل تحقيقه إلا من خلال حالة إستيعابية جامعة – توحيدية، لتمكينها من إستعادة دورها الطليعي والريادي كعاصمة مركزية للبنان، بعيداً عن كل الحسابات السياسية والمصالح الشخصية.

الواقع المرير والمخزي الذي تتخبط به العاصمة الجريحة لم يعد يسمح ولا يحتمل المزيد من الكيانات الوهمية التي تتمدد وتنتشر كالسرطان المستشري، بل المطلوب تدخل جراحي يستأصل كل هذه الأورام الخبيثة التي تفتك بجسمها، مقروناً بحس إنساني وبعضاً من الخجل الوطني، في محاولة ولو متأخرة لمعافاتها وإعادة الروح إليها والنبض إلى قلبها عن طريق العمل الجاد والمجدي، عسى أن تستعيد سيدة العواصم شعاعها ومجدها المفقودين…

فهل من مستجيب، يترفع عن أنانياته وطموحاته الشخصية الضيقة؟!

شارك المقال