بكركي… الدور الوطني في الأزمنة المفصلية

هيام طوق
هيام طوق

منذ بدء الشغور الرئاسي، لم تهدأ الحركة في بكركي، ولم يفوّت البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أي فرصة للمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية وفق الأصول الدستورية، إلا أن هذه الحركة تكثفت في الآونة الاخيرة بعد أن أيقن البطريرك أن البلد دخل في أفق مظلم مع العجز وشبه الاستحالة في انتخاب الرئيس بعد 11 جلسة نيابية وصفت بالهزلية والمسرحية، وبعد أن لمس من اجتماعاته المتعددة مع القادة والشخصيات المارونية أن لا أمل في اتفاقهم على اسم للرئاسة خصوصاً أن تأمين الاجماع المسيحي يحفز الكتل النيابية الأخرى على تخفيف مستوى الشروط والسير في طريق الحلحلة، وهذا ما عبّر عنه أكثر من طرف.

إذاً، مروحة واسعة من النقاشات حول الملف الرئاسي أجراها البطريرك الراعي مع قيادات من مختلف الطوائف، لكنه كثف أيضاً اتصالاته وتواصله مع الدول الصديقة والمؤثرة في الساحة الداخلية، ومع الفاتيكان الذي يحث قادة العالم على مساعدة لبنان للخروج من محنته، وأكدت مصادر كنسية لموقع “لبنان الكبير” أن البطريرك لن يستسلم للواقع المظلم خصوصاً في ظل التخوف على الكيان برمته بحيث أن المؤسسات من أعلى الهرم الى أسفله تنهار الواحدة تلو الأخرى، وتكاد جميعها تصبح في خبر كان، والشعب وصل الى حالة يرثى لها حتى بات السؤال اليوم: هل من مخطط للقضاء على لبنان الرسالة؟

شهد الصرح البطريركي اليوم أكثر من نشاط، اذ عقد الاجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة الذي خرج ببيان شدد فيه على “عقد الجلسة الانتخابيّة التي نصّ على شروطها الدستور لانتخاب رئيس جديد للدولة خصوصاً وأنّ الأوضاع باتت على شفير الانهيار”.

كما عقدت قمة روحية بحثت بصورة أساسية في الخطر المحدق على الكيان في ظل تقاعس الطبقة السياسية عن القيام بواجباتها ووضع حد للانهيار من خلال انهاء تعطيل الاستحقاق الرئاسي، وإعادة الاعتبار الى الدستور والديموقراطية، والفراغ في المواقع المسيحية والدور المسيحي عموماً والخطر على الوجود مع استفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

وسط هذه الضبابية، ما أهمية الدور الذي تلعبه بكركي اليوم لانقاذ البلد من الانهيار التام؟

أشار النائب السابق غسان مخيبر الى أن “بكركي لطالما لعبت دوراً وطنياً يتجاوز الكنيسة المارونية، مستندة الى ارثها في الدور الذي لعبته في تكوين دولة لبنان الكبير. يمتاز هذا الصرح الديني بدور سياسي تسلم به غالبية اللبنانيين من جميع الطوائف، وكان البطاركة الموارنة يلعبون أدواراً أساسية في الأزمنة المفصلية من حياة لبنان، ونحن اليوم في مرحلة شبه وجودية في تاريخ البلد، اذ يكاد يقضى على جميع مقومات الدولة بدءاً من رئاسة الجمهورية مروراً بالمؤسسات الدستورية الأخرى. وقد تعودت الطوائف الأخرى أن تلتقي في بكركي لاعلان مواقف وطنية كبيرة”.

واعتبر أن “الحراك على المستوى الديني له تأثيره المعنوي، والتحدي ما ستقوم به القوى المدنية من جهة، والأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من جهة أخرى والتي تقع على عاتقها المسؤولية المباشرة لانتخاب الرئيس، واصلاح بنية الدولة المتهاوية. هذه المسؤولية يجب أن تترافق مع مؤتمر وطني قد تدعو اليه بكركي لقادة الرأي من مختلف الطوائف للتوافق على موقف جامع بغية الضغط المعنوي على القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب لتتوقف عن هذه المسرحية، وما يفترض أن يتبعها من أعمال اصلاحية ضرورية لاعادة بناء هيكل الدولة المنهار”.

وقال مخيبر: “المسؤولون يلعبون لعبة سلطة مطلقة، مرتبطة بمصالح تبدأ برئيس الجمهورية ولا تنتهي به لأن مصالح هذه الأحزاب مرتبطة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وسائر مؤسسات الدولة. هذه حلقة من حلقات تسلط القوى السياسية ما دفع بكركي وما يسعى اليه قادة الرأي، هو دعوة هذه الجهات السياسية الى تجاوز لعبة تقاسم المصالح، وتقديم مصلحة المواطنين قبل مصالحهم الفئوية والسياسية والطائفية. وهذا صراع قديم بين قادة الرأي وأصحاب المصلحة. وبكركي تلعب دوراً في ذلك، وواضح أنه منذ أن بدأ سيد بكركي بالكلام لم يأخذ أحد من السياسيين بإرشاداته ورأيه على الرغم من أن غالبيتهم تتسابق على إدراج بكركي لاستمالتها نحو مواقفها”.

أضاف: “في المشهد السياسي العام، كلما حصل شغور في رئاسة الجمهورية، كلما تعاظم الدور الذي تلعبه بكركي كنقطة التقاء وتأثير من دون أن يكون لها التأثير الحاسم لأنه في المحصلة لم يستجب أحد عملياً لأي من الطروحات التي قادتها بكركي ان كان من أبناء الطائفة المارونية أو من طوائف أخرى”. وتمنى “أن يتطور دور قادة الرأي المدنيين، ليكون لرأيهم تأثير في الحياة العامة، الى جانب القادة الروحيين للضغط على القوى السياسية من أجل حماية مصالح الناس”.

شارك المقال