المسؤولون… غير راشدين أم غير مهتمين؟

هيام طوق
هيام طوق

لا شك في أن الكثير من دول العالم مرت بحروب وأزمات سياسية واقتصادية وطائفية، واستطاعت بعد فترة تجاوز كل ذلك، ونعمت بالاستقرار، وتعتبر اليوم من بين الدول المتطورة ومقصداً للسياحة والاستثمار، وتلعب دوراً مهماً في السياسات الخارجية، لكن لبنان، البلد الصغير، المتعدد الطوائف، يكاد لا ينتهي من أزمة حتى تظهر أخرى بحيث أن كثيرين باتوا على قناعة بوجوب التعايش مع واقعنا الذي يشير الى أن كل 10 أو 15 سنة، تعود المشكلات بأوجه مختلفة وتحت عناوين متعددة. وبالتالي، يبدو كأن البلد يدور في الدوامة عينها منذ سنوات وسنوات أو عالق في عنق زجاجة لم يتمكن من الخروج منها الا في مراحل قصيرة ومتقطعة.

اذاً، عرف لبنان هزات بشرية كثيرة كما الهزات الطبيعية، وكانت تداعياتها كبيرة وثمنها باهظاً على البشر والحجر، وبغض النظر عن الآراء المتناقضة حول أسباب عدم الاستقرار، تبقى النتيجة واحدة: مسؤولون طنشوا عن الشعب، واستغلوا المناصب والمواقع لتحقيق مصالحهم الخاصة، وهم مدركون لما يفعلون. وما وصلت اليه الأمور في السنوات الأخيرة من انسداد في الأفق، وجمود وتعطيل وصولاً الى انهيار شبه تام للبلد، يدل على أمر واحد كما يقول أحد الوزراء السابقين لموقع “لبنان الكبير”: “قلة الضمير وغياب الحس الوطني والانساني”.

وانطلاقاً من كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أن “اللبنانيين مدعوون الى أن يثبتوا للعالم وللشقيق والصديق ولكل من يتربص أو يتحين الفرص للإنقضاض على لبنان أننا قد بلغنا سن الرشد الوطني والسياسي، ونملك الجرأة والقدرة والمسؤولية الوطنية والمناعة السيادية لصناعة توافقاتنا وإنجاز إستحقاقاتنا الداخلية والدستورية بأنفسنا وبما يتلاءم مع مصلحة لبنان وتطلعات أبنائه”، لا بد من طرح الأسئلة: لماذا لم يعرف لبنان الاستقرار المستدام؟ وهل فعلاً لم يبلغ المسؤولون الرشد السياسي والوطني أو أن ارتباطاتهم الخارجية تجعلهم مقصرين بحق البلاد والعباد؟

قال الوزير السابق رشيد درباس لموقع “لبنان الكبير”: “يجب أن نتحدث من دون قفازات. لا ينقصنا الرشد السياسي أبداً ولا الوعي لأنه في ظل مناخ الحرية في لبنان، تصلنا كل المعلومات والمعطيات والخفايا، ونحن شعب متعلم ومثقف، ولا يمكن القول اننا شعب مراهق أو لا يعرف في السياسة، لكن الشعب اللبناني مسلوب ومشلول الارادة لأن لبنان منذ العام 1967 بات كأنه القناة التي تسحب الخطر من الدول العربية، ومنذ ذلك الوقت، أصبح محط اهتمام اقليمي ودولي لأن القرار الفلسطيني أصبح موجوداً فيه، وهذا ما أدى الى جعله موضع تجاذب اقليمي ودولي. وبالتالي، شلّت ارادة اللبنانيين وأصبح الفلسطيني يفرض ارادته كما الاسرائيلي ثم السوري الذي فرض ارادته على الدولة اللبنانية وعلى الأراضي كافة”.

وأشار الى أن “كل اللبنانيين اليوم يتمنون التوصل الى اتفاق، لكن هذا ممنوع لأن هناك مصلحة أساسية عند الغرب اسمها اسرائيل التي تتوجس من وجود حزب الله، والذي يشكل خط دفاع أول لايران كما يشكل كتيبة صالحة للقتال في العديد من الدول. وشئنا أم أبينا يمثل الحزب جزءاً كبيراً من الطائفة الشيعية، ويفرض ارادته على الساحة السياسية، واستطاع في مرحلة من المراحل ايصال الرئيس ميشال عون. اليوم هناك فريق يمكنه عدم السماح بتكرار تلك التجربة، لكنه ليس قادراً على فرض مرشحه”، معتبراً أن “الرشد السياسي موجود انما المصالح السياسية مرتبطة بالخارج. نحن في عقدة بحيث أن حزب الله يريد أن ينفذ ما لا يتناقض مع المصلحة الايرانية، وهناك طرف آخر على قناعة بأن دول الخليج لن تساعد لبنان الا وفق بعض الشروط”.

أما الوزير السابق ريشار قيومجيان فرأى وجوب “أن يكون الرئيس بري نموذجاً للرشد السياسي، ويدعو مجلس النواب الى الانعقاد الدائم لانتخاب رئيس للجمهورية. يجب أن يكون نموذجاً للرشد السياسي من خلال تطبيق الدستور والقوانين”، مشيراً الى أن “من كان في السلطة في السنوات الثلاث الأخيرة، أدار البلد ادارة سيئة، وغطى سلاح حزب الله الذي يعمل وفق المشروع الايراني، وكلها عوامل أدت الى انهيار البلد. يجب تغيير نمط التعاطي، وايصال مسؤولين غير فاسدين، ويعملون على الحوكمة الرشيدة، وادارة جيدة والالتزام بتطبيق الدستور، والانضمام الى مشروع الدولة. واذا استمر النمط التحاصصي والفاسد والسلطوي، فسيستمر البلد في الانهيار. لذلك نحن بحاجة الى مسار جديد”.

ولفت السفير خليل الخليل الى أن “المسؤولين سرقوا البلد ونهبوه، وأوصلوه الى ما هو عليه. لم يتركوا صديقاً، ومسحوا لبنان عن الخارطة. هذا البلد كانت له قيمة وكل شعوب العالم كانت تتمنى زيارته. اما اليوم، بعد ما ارتكبته السلطة من جرائم بحقه، لا أحد يسأل أو يهتم بلبنان”. وقال: “يا عيب الشوم. ألا يخجلون من الحديث على المنابر؟ هم منافقون وحرامية، عطلوا ضمائرهم ووجدانهم وحسهم الوطني. هم يعرفون ويحرفون. والأسوأ من كل ذلك أن الناس لا تقوم برد فعل على من أوصلها الى هذا الوضع.”

أضاف: “سفراء لبنان في دول العالم كانوا يخدمون، ويلعبون دور الوسيط بين دولة وأخرى. والمسؤولون هم أول من يعرف حقيقة الأمور، وكانوا يعلمون منذ سنوات أننا سنصل الى هنا، وتركوا الوضع يتدحرج ويتفاقم الى هذا الحد لأنهم وضعوا مصالحهم فوق كل اعتبار. عنوان السنوات الأخيرة: كذب وسرقة. المسؤولون حققوا مشروعاً واحداً: خربوا البلد، وبات دولة بلا كيان وبلا احترام وبلا معنى وبتنا في مصاف الدول الفاشلة”.

شارك المقال