اللبنانيون… بين “اشتدي أزمة تنفرجي أو تنفجري”

هيام طوق
هيام طوق

أزمات متعددة تلاحق اللبنانيين، وتكاد تخنقهم، والأنكى أنه لم يظهر الى اليوم أي ضوء في الأفق المظلم ما يعني أن الامور مفتوحة على كل الاحتمالات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية والصحية والتربوية والسياسية خصوصاً أن المؤسسات المهمة معطلة حيث لا رئيس للجمهورية، والحكومة غير مكتملة المواصفات، وتكاد تصرف الأعمال بمعناها الضيق، ومجلس نيابي عاجز عن القيام بمهامه وانتخاب رئيس لأن الانقسامات داخله وتعدد الكتل لا تسمح لأي طرف وحده بملء الشغور، حتى أن الجلسة التشريعية المتوقع أن يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري قريباً تشكل خلافاً بين القوى السياسية.

هذا الواقع المأزوم، تنعكس تداعياته على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يشكل عنصراً ضاغطاً على يوميات اللبنانيين في ظل العجز عن المعالجة الداخلية خصوصاً في الملف الرئاسي الذي شهد في الأيام الأخيرة حركة قام بها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط باتجاه مختلف القوى على أمل تحقيق خرق ما بالاضافة الى مبادرة يسعى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الى تحقيقها من خلال جمع النواب المسيحيين في بكركي، لكنه يدرس الخيارات جيداً قبل القيام بأي خطوة، ما يعني أن الحركة الداخلية لم تحقق أي نتيجة، ولا يزال الملف الرئاسي في المربع الأول. أما خارجياً، فيبدو الاهتمام واضحاً بلبنان، لكن في الوقت نفسه، الكل يطالب اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم، والانطلاق بالمسار الاصلاحي كي تأتيه المساعدة والدعم .

في هذا الوقت، تستمر المنظومة السياسية التي أوصلت البلد الى التعطيل والانهيار والدمار، في كيدياتها وتعنتها ومناكفاتها وكأن الوضع بألف خير، وليس على حافة الكارثة التي ستطال اللبنانيين جميعهم من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب حتى أنها تدير الأذن الصماء للتقارير الدولية المتتالية التي تحذر من الانهيار الكلي، وآخرها ما صدر عن منظمة العفو الدولية بأن استجابة الدولة اللبنانية للأزمة “خيّبت الآمال”.

على أي حال، اللبنانيون صابرون، ويتحملون ما لم يحتمله شعب، ويتكيفون مع كل الأزمات لتسيير أمورهم بأقل قدر ممكن من الخسائر، ويؤمنون بالمثل القائل “اشتدي أزمة تنفرجي”، لكن يبقى الخوف من المجهول في ظل غياب أي بوادر للحلحلة من أن يصبح “اشتدي أزمة تنفجري”.

قال رئيس جمعية خريجي الجامعات الفرنسية وليد عربيد: “مما لا شك فيه أن من يراقب التاريخ السياسي للدولة اللبنانية منذ أن نال لبنان استقلاله عام 1943، يرى أن هناك تدخلات خارجية تنعكس على انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية. وهذا ما شهدناه عام 1943 حين انتخب الرئيس بشارة الخوري بحيث كان هناك تفاهم بريطاني – فرنسي كما في عهد الرئيس كميل شمعون حين نام حميد فرنجية رئيساً للجمهورية واستيقظ صباحاً ليجد أن شمعون هو الرئيس. والتفاهم سنة 1957 بين مصر وأميركا على المجيء بقائد الجيش حينها فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، اضافة الى التفاهمات السورية – الأميركية حول الوضع اللبناني. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل هناك تفاهمات اقليمية ودولية على طرح اسم لرئاسة الجمهورية؟ المرشحان المطروحان بقوة هما قائد الجيش العماد جوزيف عون وما يمكن أن يلعبه في ضبط الأمن كما الوزير السابق سليمان فرنجية الذي لديه علاقات جيدة مع بعض الدول الاقليمية، والفرنسيون لا يمانعون أن يكون رئيساً. وما حصل اليوم جراء الزلزال في سوريا من تعليق بعض العقوبات الأميركية عليها بهدف الاغاثة الانسانية، يشير الى أن اعادة اعمار سوريا سيطرح، ومن الممكن أن يلعب فرنجية دوراً من خلال علاقاته العربية، وهذا ينعكس على الوضع الداخلي”.

أضاف: “يبقى أن الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان والتي تدفع الى سؤال أكبر وأكثر تعقيداً من انتخاب رئيس الجمهورية: هل نحن بصدد اعادة لبنان من الكيان اللبناني الى الوطن، وبناء نظام سياسي جديد يرتكز على المواطنة وليس على الفديرالية بين الطوائف لأننا اليوم في حاجة الى لبنان الاصلاح والتغيير والوطن والمواطنة؟”.

ورأى “أننا سنذهب الى الانفراج، لكن علينا انتخاب رئيس للجمهورية الذي يستطيع نقل الكلام عن الاصلاح الى التنفيذ والفعل. والمطلوب من الشعب أن يفكر جيداً أن لبنان سيبقى لبنان المواطنة حيث سيكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ويقتلع الفساد من جذوره”.

واعتبر الكاتب والناشط السياسي مكرم رباح أن “ليس هناك من حل في الأفق، ولا أحد في الخارج مهتم بلبنان، ولقاء فرنسا أثبت أن كل التوقعات والمراهنات على الخارج ليست في محلها بالاضافة الى أن اللبنانيين يرتكزون على فكرة أساسية تتمحور حول تجربتهم السابقة حين كانت الدول تتدخل بعد تفاهمات بينها لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، لكنهم لا يدركون أن الديناميكية تغيرت، وباتت أولوية الدول اليوم الحرب الأوكرانية – الروسية، والملف الايراني، والأزمة اللبنانية جانبية وغير مهمة. اللبنانيون يراهنون على التسوية الكبرى على اعتبار أن بعض الدول لديه مصالح في لبنان، لكن هذا غير صحيح خصوصاً أن المسؤولين لا يتنازلون، ويتذاكون بالاضافة الى أنهم يعزلون فكرة السيادة عن الاصلاح، اذ لا يجوز الاصلاح اذا كانت السيادة منقوصة، وهذا ما تعلمه كل دول العالم بما فيها دول الخليج المتحفظة عن ارسال الأموال”.

أضاف: “اذا كان أحد يعتقد أن البترول في لبنان يمكن أن يشكل اهتماماً للدول به والمحافظة على استقراره، يكون ساذجاً لأننا لا نزال نصطاد السمك في البحر، وتلزمنا سنوات لنعرف إن كان هناك نفط في مياهنا، والدول تعمل وفق الأولويات، وأولوية أوكرانيا أهم اليوم من نفط المتوسط. للأسف يعتقد اللبنانيون أن الشمس تشرق من أجل لبنان”.

وأشار الى “أننا ذاهبون الى الأسوأ، ونتدحرج باتجاه الهاوية بسرعة اذا لم نقدم طرحاً سياسياً جديداً لأن استخدام الأساليب القديمة في عالم جديد غير نافع. والخطير في الزلزال الذي وقع لو أنه كان أقوى على لبنان، لكان سيثبت غياب الدولة. المراهنة على الغائب رهان أحمق. اذا لم نتحرك سريعاً للانقاذ فنحن ذاهبون الى الانفجار حيث لا عودة، اذ أن لبنان ينفصل شيئاً فشيئاً عن الشبكة الدولية، والأهم أن صورته في العالم تبدلت، وتشوهت ولم يعد قيمة مضافة على المنطقة، ولم يعد مساهماً في الحضارة الانسانية بل أصبح لعنة على المنطقة”.

شارك المقال