كيف يتفاعل المواطن العادي مع تناقض الخبراء؟

محمد شمس الدين

الهلع الذي يحصل أمر طبيعي، فالناس تخاف المجهول، وتحاول وفق قدراتها تجنب الخطر لنفسها ولأحبائها، ولكن منذ حصول الهزة الارتدادية فجر يوم الاثنين، تنتشر الشائعات بصورة كبيرة لتزيد من هلع المواطنين، زلزال مدمر سيضرب لبنان في الساعة هذه أو في اليوم كذا، وهو أمر حتى الدولة لم تحاول معالجته، بل يبدو أنها لا تعير اهتماماً للمواطن وخوفه وما قد يقدم عليه بسبب هذا الخوف، ولم توفر خبيراً من مؤسساتها يستطيع تطمين الناس، بل على العكس فإن تصريحات مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء مارلين البراكس، زادت من نسبة الهلع، بينما الباحثان في علوم الجيولوجيا طوني نمر وسمير زعاطيطي طمأنا اللبنانيين وشرحا التفاصيل العلمية، علماً أن البراكس أوضحت في وقت لاحق كلامها واعتبرت أن الاعلام هو من حرّفه. ولكن إلى حين التوضيح، مئات المواطنين افترشوا الطرقات بسياراتهم، أو هربوا من منازلهم في الطوابق العليا، خشية الشائعات التي توقعت زلزالاً في وقت معين، أو خوفاً من تفسير كلام البراكس، وهنا يطرح السؤال: في حال كان هناك تناقض في كلام الخبراء، كيف يحصل المواطن على المعلومة الصحيحة؟

الباحث علي مخ أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “كلمة خبير تكون أحياناً مستخدمة شعبوياً ويجب علينا الانتباه إن كان حصل على اللقب بسبب عمله العلمي أم لا”، مؤكداً أن “هناك أشخاصاً يمكن أن نسميهم خبراء، اذ يكون لديهم انتاج بحثي واضح في عالم الأبحاث، ولكن هناك بعض الأشخاص هم من يسمّون أنفسهم خبراء”.

ورأى مخ أن “المعلومة الصحيحة يمكن للمواطن الأخذ بها وفق توحد المجتمع العلمي، وتكون فكرة تلقى قبولاً واسعاً فيه، وتحصل حولها نقاشات، عندها فقط يمكن القول انها مقبولة بنسبة عالية، أما أن يطرح أحد ما فكرة وحده، ويحاول إقناع العالم بها، بينما الأوراق البحثية لا تدعمها، أو أنه أصدر ورقة بحثية وعليها الكثير من الانتقادات، فلا يمكن الأخذ بها.عندما نسمع خبيراً ما، علينا النظر في خلفيته، هل هي خلفية مقبولة أم لا، هل ما يتكلم به يوافقه فيه المجتمع العلمي أم لا؟ وإن كان هناك خبيران أو ثلاثة يناقضون بعضهم البعض، يجب علينا الانتباه لنعرف حديث أي منهم مقبول علمياً بصورة واسعة، وإن كان لا يمكن للإنسان العادي غير المختص الإطلاع على ما يقوله المجتمع العلمي، فيمكنه أن يستعين بمختصين من المجال نفسه الذي يناقش، والأفضل أن يكون هناك تعدد للمصادر، مثلاً لنفترض أن النقاش هو حول كورونا، يمكننا اللجوء إلى أكثر من مختص بالأوبئة والفيروسات، وعندها سنجد الحقيقة المدعومة بالعلم”.

ولفت الى أن “عملية البحث عن المعلومة الصحيحة يحتاج الى جهد، ويجب أن يكون جهداً قريباً من صاحب الاختصاص، ولكن تعدد المصادر أمر صحي جداً، ومعرفة ما هو المقبول في المجتمع العلمي يساعد في الحصول على المعلومة الصحيحة، أما الشخص الذي يقدم معلومة ويكون أسلوب تقديمه بثقة عالية، فهذا يجب الاشتباه بكلامه. مثلاً موضوع الزلازل، بمجرد البحث عن الأمر ستجد أن مراكز الأبحاث الكبيرة في الجيولوجيا، لا تستطيع بطريقة دقيقة تحديد الزمان والمكان اللذين يمكن أن يضرب فيهما زلزال، ولا تستطيع تحديد مدى قوته، في أفضل أحوالها تستطيع التنبؤ، لأنها تراقب حركة الصفائح، وتقول إن هذه الصفيحة تقترب من تلك، وهنا تكون تتكلم عن منطقة بآلاف الكيلومترات، وعندها يمكنها إعطاء توقع تقريبي للهزة، ولكن يبقى الزمان مبهماً”.

أضاف: “يمكن القول في هذه الأشهر أو هذه السنة، من الممكن أن تحصل هزة في منطقة ما، ولكن هذه المنطقة تكون كبيرة وواسعة، لا محددة، فمراكز الجيولوجيا تلاحق الزلازل، وتتابع الظواهر التي يكون فيها تلاقٍ، فمثلاً إذا حصل زلزال أو هزة ما، يتوقعون وجود احتمال مقبول به أن تحصل بعدها هزات أخرى، لأنها تسبب ضغطاً، وتتسبب ببعض العوامل التي يمكن أن تصنع زلزالاً لأن الصفائح تكون تحركت، مما يزيد احتمالية الهزة، ولكن لا يمكن تحديد أين الهزة ومتى وكم قوتها، يكون هناك احتمالية مقبول بها، 60 أو 70% أن تحصل هزة في هذه المنطقة، أما أن يأتي شخص حتى لو كان لقبه خبيراً، ويحدد بدقة موقع الهزة ووقتها وقوتها، فيجب علينا النظر إلى خلفيته العلمية، اذ يجب أن يكون قد أقدم على إنجاز علمي كبير وكشفه للعالم، وأحدث نقلة نوعية في العلوم واستطاع التنبؤ”.

وشدد على وجوب “عدم الخلط بين التخبيص النابع عن بعض الأشخاص الواثقين جداً من كلامهم من دون أي دعم علمي لهم، وبين عمل علمي واضح يعطينا كلاماً احتمالياً، ولكن يكون حذراً في المعطيات التي يقدمها”.

شارك المقال