اغتيال الحريري زعزع البلد… وعودة السعد حاجة وطنية

هيام طوق
هيام طوق

في 14 شباط 2005، أراد الأشرار ومحبو الدمار والخراب والقتل، والمؤمنون والمتشبثون بثقافة الموت، تنفيذ مخططهم الجهنمي بتصفية الكبار وحاملي راية الوطنية والاعتدال والبناء والتطور، فكانت الضربة الأولى باستهداف الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي حفرت صدمة وحزناً في النفوس والقلوب تماماً كالحفرة التي خلفها التفجير في وسط بيروت. والغريب أنه بعد 18 عاماً، لا يزال الرئيس الشهيد الحاضر دوماً في الأحاديث بين المحبين والخصوم، وكأنه لا يزال حياً، يتنقل بين الجميع ليمدهم بالقوة والصبر والصمود لأنه مهما بطش الطامعون، واستبدّ الكيديون، ونهب الفاسدون، واستفزّ الاستفزازيون، سيأتي يوم يفهمهم أن الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، و”ما حدا أكبر من بلدو”.

كالعادة، يحرص الرئيس سعد الحريري على أن يحيي ذكرى استشهاد والده، ويقرأ الفاتحة عن روحه وأرواح رفاقه الشهداء على الضريح، ويكون بين الأحباء الذين يعلقون آمالهم عليه للنجاة من الغرق، ويعتبرونه خشبة الخلاص للبلد ولمؤسساته، وضمانة لوحدة أبنائه، والمخلص الذي سينتشلهم من مآسيهم التي لا تنتهي ليس لأنه يملك قدرات خارقة لا يملكها سواه، بل لأنه من بين القلائل والقلائل جداً الذين يحبون بلدهم بصدق واخلاص، ويعملون لأجله ولصالحه فقط بعيداً عن المحسوبيات والمصالح والمغانم والنوايا الخبيثة. انه الرجل الآدمي وصاحب القلب “الطيب” والمحب الذي يحتاج اليه لبنان المنهوب والمسروق والمنكوب، والمحكوم من منظومة تتربص به شراً، عله يتمكن من نقله الى الضفة المقابلة حيث الحياة والازدهار والربيع، ويعيده الى سابق عهده حين كان يلقب بـ “سويسرا الشرق” و”لؤلؤة البحر المتوسط”.

إذاً، تمكن الرئيس الشهيد بعد الحرب الأهلية من إنقاذ بيروت من تحت الركام، فعمّر وبنى، الحجر كما البشر، وكذلك الرئيس سعد الحريري، أراد اكمال المسيرة، وايصال لبنان الى مصاف الدول المتطورة والمزدهرة، لكن الظروف تعاكس دوماً أصحاب النوايا الحسنة، وفاعلي الخير حتى أن كثيرين يسألون اليوم: لماذا اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ هل أرادوا ايصال البلد الى ما هو عليه اليوم أي دولة فاشلة، وشعب جائع، ومؤسسات معطلة، و”حارة كل مين ايدو الو”؟ وهل وصلت الأزمات الى حالة مستعصية، وتفاقمها يظهر عجز الطبقة السياسية، وبالتالي، باتت عودة الرئيس الحريري الى السياسة حاجة ومطلباً للخصوم قبل المؤيدين؟

رأى النائب الياس حنكش في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنها “ليست صدفة اختيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحيث قتلوا لبنان الذي كان بدأ ينطلق على السكة الصحيحة، وقتلوا ما كان يتقاطع مع أحلام أبنائنا. كسروا لبنان في منتصفه، وهذا مخطط للقبض على الجمهورية والهوية، وهذا ما يترجم اليوم”، لافتاً الى أن “الشارع السني مشرذم وفي حالة ضياع. ولا شك في أن الرئيس سعد الحريري ترك فراغاً ليس في الشارع السني وحسب، انما في الوطن، وفي الحياة السياسية بغض النظر عن خلافاتنا معه في المرحلة الأخيرة”.

وأكد النائب السابق محمد الحجار أن “هدف الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ اليوم الأول لعمله في لبنان، أمر واحد: كيفية العمل لاعادة بناء الدولة اللبنانية، العربية، السيدة، الحرة والمستقلة. كيفية العمل لتحقيق الاستقلال الفعلي للبنان. الرئيس الشهيد كان يحمل فكرة الدولة ومشروعها. وحين أعاد بناء العاصمة، وأزال آثار الدمار والنفايات، وأضاء بيروت، ونفذ مشاريع نموذجية في الوسط التجاري، كانت أولوياته وهمه العمل لعودة لبنان الى دوره الطليعي عربياً ودولياً. ولأنه كان مصراً على هذا المشروع، ومستعداً لبذل كل أمر لتحقيقه، ولم يكن يساوم على عودة الدولة، اغتيل”.

وأوضح أن “الرئيس سعد الحريري حين اتخذ قراره بتعليق العمل السياسي، أعلن الأسباب التي أدت الى اتخاذ قرار كهذا، معدداً الكثير من العراقيل التي تقف في وجهه، والهدف منها منعه من اعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقلال الناجز. وحين سيعود الرئيس الحريري الى الساحة السياسية، يجب أن تتغير الظروف التي أدت الى اتخاذ قراره، وطالما لم تتغير فلن نكون الا شهود زور. حين يكون التعاطي على قاعدة (كلن يعني كلن) وحين لا يمكن تحقيق أي جديد أو القيام بالاصلاحات في مختلف القطاعات، يعني أنه سيتم التعاطي معه على أنه كالآخرين. فليتحمل كل طرف مسؤوليته خصوصاً أولئك الذين عطلوا مسيرة الدولة وما زالوا مستمرين بذلك.”

واعتبر رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط أن “اغتيال الرئيس الشهيد هو اغتيال لمشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة، وبعد 18 عاماً من الاغتيال، تأكد للبنانيين أن الهدف منه كان اغتيال الوطن الحلم الذي حلم به الرئيس الشهيد، وحاول أن يستكمله الرئيس سعد الحريري. ومن أجل ذلك، فإننا بعد كل هذه السنوات من اغتيال الحلم والذي حاول أن يعيده الى الحياة الرئيس سعد الحريري، تبين لنا أن الوطن أصبح مجموعة شظايا وخنادق مذهبية وطائفية ومناطقية أدت الى تحلل الوطن وانتشار الجوع والبطالة وهجرة الشابات والشباب. وأصبح لبنان عبارة عن هيكل عظمي لوطن نحبه ويحبنا. لبنان الذي كان يحلم به الرئيس الشهيد لم يعد موجوداً. لبنان الذي سعى الى بنائه الرئيس سعد الحريري لم يعد موجوداً. لبنان الوطن العربي، لؤلؤة الشرق لم يعد موجوداً. ما نعيشه اليوم، لبنان آخر، لبنان المذهبية، الطائفية، والانكفاء. لبنان الذي يعيش تحت المظلة الايرانية من خلال العبث السياسي الذي نعيشه في هذه الأيام الأسوأ التي تمر عليه منذ ولادة لبنان الكبير عام 1920.”

وقال: “اثر اغتيال الرئيس الشهيد سنة 2005، بدأت الخطوة الأولى نحو تدمير لبنان منهجياً، وأدى الى هذه الجهنم التي نعيشها وساهم فيها مساهمة أكيدة تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، ولا يزال هذا التحالف يمعن في نحر لبنان ومنع انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة الا على مقاس مصالح التيار والحزب. هذه المصالح التي ليس للبنانيين فيها مصلحة، والدليل على ذلك أن هذا التحالف الذي حكم البلد منذ 2005 الى اليوم أدى الى ما أدى اليه من انهيار للعملة الوطنية، وهجرة الشباب ونخبة المجتمع، وابعاد الأشقاء العرب عن لبنان، وعزله ليكون شبيهاً بما يحصل في دمشق وبغداد وصنعاء”.

أضاف: “لا شك في أن عودة الرئيس الحريري أصبحت حاجة وطنية لأن هناك خللاً في التوازن الوطني اليوم بغياب الحريرية الوطنية التي جسدها الرئيس سعد الحريري خلال مسيرته. صحيح أنه قدم تضحيات كثيرة، وكانت في سبيل بناء الوطن ولم تكن لحساب حزب أو تيار أو فئة معينة، وصحيح أن بعض القوى السياسية توهمت بأن التضحيات ستكون لمصلحتها، لكن نحن على قناعة بأن التضحيات قدمها للوطن ولبنائه ولاستكمال بناء الحلم الذي كان يحلم به اللبنانيون جميعاً وجسده الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال مسيرة البناء والاعمار. بناء البشر والحجر بعد الحرب العبثية على مدى 15 عاماً”، “.

ورأى أن “المطلوب الآن من كل القوى السياسية أن تضحي في سبيل لبنان لا في سبيل قوى سياسية أخرى ولا في سبيل طائفة أو مذهب، انما التضحية يجب أن تكون لبناء الدولة السيدة، الحرة، العربية والمستقلة التي تنظر الى كل المواطنين بعين واحدة، وتحتضن جميع أبنائها من دون تمييز بين مذهب وآخر أو بين طائفة وأخرى”.

ولفت الى “أننا نعيش اليوم في مأزق سياسي لأن كل فريق يطالب ويعمل في سبيل طائفته أو مذهبه أو توجهه السياسي. الحريرية الوطنية كانت تسعى الى بناء وطن لا الى تقوية طائفة على أخرى ولا الى تزعم مذهب على مذهب انما كان الهدف بناء الدولة السيدة، الحرة، المستقلة”، مشدداً على أن “غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي، أفقد لبنان توازنه السياسي، وأفسح المجال للقوى المذهبية والطائفية والمناطقية أن تمعن في تدمير لبنان وتدمير صيغة وثيقة الطائف التي كان الهدف منها بناء دولة المواطنة لا دولة الطوائف ولا دولة المزارع ولا دولة المذاهب. اذاً، خلاصنا في تثبيت وثيقة الطائف كاملة، ثم تدرس هذه الوثيقة وتصحح الثغرات إن وجدت لمصلحة الوطن لا لمصلحة تيار أو حزب أو طائفة أو فئة”.

كلمات البحث
شارك المقال