“الصمت الرئاسي”… نحو الحل أو الاستعصاء؟

هيام طوق
هيام طوق

وكأن موتورات المؤسسات في البلد، تعطلت الواحدة تلو الأخرى، وأطفئت الى أجل غير محدد لأن المعطلين هم أنفسهم المسؤولون عن اعادة التشغيل، ويبدو أن لا نية الى اليوم بالعودة الى الانتظام العام والعمل بصورة طبيعية. فجلسات انتخاب رئيس الجمهورية متوقفة لأنها تحولت الى مسرحية هزلية، وطالما ليس هناك من جديد يمكن أن يؤدي الى ملء الشغور، فلا جلسات يوم الخميس. الجلسة التشريعية تعثرت، وأصبحت في مهب الريح بانتظار المزيد من الاتصالات والمشاورات لتأمين النصاب الميثاقي – القانوني. اجتماعات الحكومة المستقيلة تواجه اعتراضات وخلافات دستورية حول قراراتها. مؤسسات في القطاع العام في اضراب شامل، ومصارف تلوح بالاقفال التام وغيرها الكثير من المرافق الحيوية كالمستشفيات والصيدليات والأفران، ما يعني أن البلد قابع على برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار ليسجل أرقاماً غير مسبوقة، وانعكاسات ذلك على المواد الاستهلاكية والمشتقات النفطية.

وفي ظل هذه السوداوية، لم تسجل أي حركة يمكن أن تنتج خرقاً في الجدار التعطيلي، والغريب أنه في الأيام القليلة الماضية، بدت المساعي التي انطلقت لايجاد مخرج للاستحقاق الرئاسي متوقفة، ولم نعد نسمع لا عن لقاءات ولا عن اتصالات ومشاورات لتقريب وجهات النظر حتى أن مصير اجتماع النواب المسيحيين في بكركي بات مجهولاً. اما في الخارج، فكان التعويل كبيراً على اللقاء الخماسي في باريس الذي شاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لكن الى اليوم ليست هناك معطيات رسمية عن نتائجه، وعن فاعليته، مع العلم أن سفراء الدول المشاركة، قاموا بجولة مشتركة على المسؤولين لاطلاعهم على المحادثات، كما أن كل سفير سيتحرك باتجاه الجهة السياسية التي تربطه بها علاقة جيدة للبحث في خارطة الطريق التي يمكن أن تنتج رئيساً ثم حكومة، وسيعدون التقارير بعد الانتهاء من جولاتهم لارسالها الى دولهم، وبناء عليها يمكن عقد اجتماع ثان ٍعلى المستوى نفسه من التمثيل أو على مستوى أعلى.

على أي حال، هل يمكن القول ان “الصمت الرئاسي” أبلغ من الكلام والمشاورات والمساعي، بمعنى أن الاستحقاق الرئاسي بات في حكم المؤجل الى أشهر وربما الى سنوات؟

رأى الكاتب الصحافي والمحلل السياسي يوسف دياب في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “ليس هناك من حل داخلي لأزمة الرئاسة. القوى والكتل النيابية عاجزة عن التفاهم لانتخاب الرئيس، والكل ينتظر حلاً أو أمر عمليات من الخارج، وهذا ليس سراً بدليل أن الاجتماع الخماسي في باريس صبّ في هذا المنحى، والرسالة التي حملها السفراء الى المسؤولين، كانت واضحة أن الملف الرئاسي بات أولوية دولية، وبالتالي، يجب وضعه في سلم الأولويات في هذه المرحلة، وحمّلوا المعطلين مسؤولية استمرار الشغور في موقع الرئاسة الأولى. ويحكى عن التهويل بعقوبات على المعطلين”.

وأشار الى أن “الرئيس نبيه بري لا يدعو الى جلسة انتخابية لأنه يعلم أن القوى الداخلية لا تنتج رئيس الجمهورية بل يأتي نتيجة تفاهم خارجي، ويجيّر في لبنان بجلسة انتخابية. والواضح أن هناك أسماء يتم التداول بها في الخارج، وقد نكون أصبحنا على مسافة قريبة من النضوج حولها، ويبدو أن الأولوية لقائد الجيش العماد جوزيف عون. حتى أن هناك كلاماً عن أن التأخير في الاستحقاق الرئاسي، متعمد كي يمر على الشغور 6 أشهر، وبالتالي، تنتفي حينها الحاجة الى تعديل دستوري لانتخاب قائد الجيش كما حصل خلال انتخاب الرئيس ميشال سليمان. ويبدو أن هذه المهلة المحروقة، مقصودة لتسوية انتخاب رئيس للجمهورية. وبغض النظر عن الاسم، سيكون الرئيس المقبل نتيجة تفاهم خارجي لأنه يجب أن يكون مقبولاً دولياً والا لن يحصل التعاطي مع أي رئيس يشكل امتداداً لعهد الرئيس ميشال عون”.

وقال: “القوى الداخلية فهمت هذه الرسالة، وبدأت تكيّف الجو لتتعامل معها في المرحلة المقبلة. ويحكى أن انتخاب الرئيس سيكون في نهاية الربيع أو بداية الصيف لأن الكل يعلم أن الوضع لا يحتمل أكثر في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وتحلل المؤسسات. هناك سباق مع الوقت قبل الانفجار الاجتماعي، بأن تذهب الأمور باتجاه الاتفاق على الرئيس لأنه المدخل للحلول المنتظرة”. ولفت الى أن “الأطراف الداخلية ليست مقررة في الاستحقاق الرئاسي، والمرحلة مختلفة عن العام 2016 حين استطاع حزب الله فرض انتخاب الرئيس الذي يريد. الحزب يمكنه في المرحلة المقبلة التعطيل لكن لا يمكنه فرض الرئيس كما حصل سابقاً اضافة الى أن الظروف المحلية والاقليمية والدولية لن تساعده بسبب الوضع الايراني الصعب. هو سيقدم تنازلات، لكنه في الوقت عينه يريد الحصول على بعض الضمانات، لذلك، يتم تمهيد الأمور في الداخل والخارج بانتظار الوصول الى مرحلة الانتخاب التي تتزامن مع مسألتين: تمرير 6 أشهر، وتكون الأطراف القلقة حصلت على الضمانات التي تطالب بها”.

وأكد أن “الحلول تطبخ في الخارج وتتلقفها الأطراف الداخلية لأن أزمة لبنان شئنا أم أبينا أصبحت أزمة مدولة، واذا كان البلد لا يزال مستمراً فبسبب بعض الدعم الخارجي كي لا يسقط بصورة كاملة وصولاً الى مرحلة الحلول، والا نصل الى الانفجار الذي لا ندري الى أين يمكن ان يصل. لذلك، الداخل والخارج يخشيان الوصول الى هذه المرحلة، والكل سيقدم التنازلات قبل بلوغها”.

أما المحلل السياسي فيصل عبد الساتر فاعتبر أن “كل المحاولات التي حكي عنها لم تصل الى أي شيء، وبالتالي، نحن أمام شغور رئاسي قد تطول مدته الا اذا حدث ما يشبه المعجزة بمعنى أن هذا الضغط الذي يحصل اليوم من خلال الارتفاع الهائل في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، على خلفية ما قام به القضاء اللبناني ضد بعض المصارف، وبالتآمر مع بعض النافذين في السلطة، الذين يلعبون هذه اللعبة لاشتداد الضغط. ولكي لا يكون هناك تفجير، تتم الدعوة الى الاجتماع في مجلس النواب وإقرار بعض القوانين علها تحرك ما هو ساكن. مثل هذا التفكير لن يكون له أي نجاح، فنحن أمام مشكلة قد تتشعب منها مشكلات كثيرة والتحذيرات التي تتحدث عن تفجيرات متنوعة قد تتخذ أشكالاً فوضوية في مكان وأمنية في مكان آخر، باتت أقرب الى أن تكون في هذه اللحظة على الرغم من أننا لا نتمنى ذلك. من هذه الاشارات التي تدل على مثل هذا الأمر، عدم قيام الحكومة بأي شيء أو محاولة المعالجة حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، وكأن الجميع مستسلم لما يحصل على الساحة اللبنانية. من جهة ثانية، الخلاف المسيحي – المسيحي الذي على ما يبدو لم يصل الى امكان حصول أي اتفاق ولو بالحد الأدنى الذي قد يكون أحد العلامات الأساسية في هذا الانسداد. من جهة ثالثة، ما أشار اليه الرئيس سعد الحريري على الرغم من أن الكلام غير سياسي وعابر، يعطي فكرة أن مسألة الرئاسة أمامها مسار طويل ما يعني أن ليس هناك في الأفق ما يشير الى امكان حل هذه المشكلة”.

أضاف: “نحن أمام حالة استعصاء واستعصاء مقابل، أظهره رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في هذا الهجوم غير المبرر في هذه اللحظة بأن يحمّل حزب الله مسؤولية التعطيل، ومسؤولية ما وصل اليه البلد من أزمات اقتصادية وسياسية. هذا النوع من الكلام، يعني المراوحة في المكان نفسه، ولن تكون هناك أي حركة باتجاه ترتيب البيت الداخلي اللبناني، وهذا ما اشترطته بعض العواصم. وإن ظهر في الساحة اللبنانية ما يشير الى أن هذه العواصم مستاءة من الحالة اللبنانية ومن الطاقم السياسي لعدم الوصول الى اتفاق لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن في الحقيقة أيضاً أن السعودية في مكان وفرنسا في مكان وأميركا في مكان”.

ورأى أن “كل ما يحكى عن طبخة من هنا أو هناك، وأن البعض يطبخ داخلياً، والبعض الآخر يطبخ خارجياً، ليس سوى كلام للاستهلاك الاعلامي أو للاستعراض الاعلامي أو للتسويق الاعلامي لشخصيات أو لجهات معينة. وبالتالي، حتى اليوم ليست هناك طبخة لا من قريب ولا من بعيد. والبعض خرج الى الاعلام، وتحدث عن اتصالات سعودية بحزب الله، وهذا غير صحيح. لا السعودية تواصلت ولا حزب الله في اطار الاستعداد لمثل هذا الأمر. ثم ان مشكلة الرئاسة ليست عند طرف وحده انما عند الجميع. أخذ الأمور لتحميل جهة واحدة المسؤولية، سيبقينا في دائرة الاتهام والاتهام المباشر، وهذا ما يريده جعجع وربما بعض الآخرين، لكن الحديث عن طبخة دولية غير صحيح”.

ولفت الى أن “طبيعة الاجتماع الخماسي، تظهر أن المجتمعين ليسوا أصحاب قرار. اما زياراتهم عبر سفرائهم في لبنان الى بعض الشخصيات فهي للقول اننا اجتمعنا في باريس، ونبلغكم امتعاضنا من عدم الوصول الى اتفاق في لبنان. أي كلام عن التدويل، لو جاء كل العالم ليفرض رئيساً على لبنان، فلن يحصل الا اذا أصبح لبنان في مكان آخر. كل كلام عن التدويل، لن يقبل به فريق وازن في لبنان لو طبقت السماء على الأرض. الحديث عن تسوية شيء والحديث عن فرض شيء آخر. الفرض من خلال المجتمع الدولي لن يحصل، اما التسوية، فما هي عناوينها ان طرحت؟ حتى الآن ليست هناك من تسوية. وتستمر في لبنان معركة تصفية الحسابات ولو على حساب وجع الناس”.

وأوضح أن “بعض الأوساط يسرّب أجواء لقاءات السفراء مع المسؤولين، ويقال انهم يبلغونهم انه ما لم ينتخب الرئيس، فسيعاد النظر في التعاطي مع لبنان. لا يمكن التبني أو النفي، ولكن، اذا افترضنا أن السفراء أبلغوا مثل هذا الأمر الى المسؤولين، فهذه الدول لديها سفراء في لبنان ومن ينطق باسمها. ألا يدركون حقيقة الأسباب التي أوصلت الواقع الى هنا؟ ثم ما الذي فعلته هذه الدول كي تحاول أن تحرج بعض الجهات على الأقل”، مشدداً على وجوب “أن يضمن الرئيس لكل الأطراف في لبنان بعض الهواجس المطروحة، ويلعب لعبة التوازنات. الأسماء المطروحة الى اليوم لم تشكل الحلقة الوسيطة لاجراء شيء ما من التسويات الممكنة في هذا الاطار”.

شارك المقال