الانهيار متسارع… ماذا بعد والى متى؟

هيام طوق
هيام طوق

وصل اللبنانيون الى مرحلة يعجز اللسان عن وصفها أو تحليلها أو استيعاب تداعياتها وانعكاساتها على معيشتهم وحياتهم اليومية، وأمام هول الصدمات المتلاحقة والأزمات المتتالية والغلاء غير المسبوق والانهيار الذي جرف الأخضر واليابس، لم يعد أمامهم سوى خيار التساؤل: الى متى؟ وماذا بعد؟ وكيف يحصل كل ذلك تحت اشراف منظومة لم تحرك ساكناً، ولم تكلف خاطرها عناء البحث عن حلول، لا بل تمارس كيدياتها وأنانياتها وتعجرفها واستلشائها وكأن البلد وأهله لا يواجهون خطراً مصيرياً ووجودياً؟

حكى المسؤولون كثيراً، وفعلوا قليلاً، وعدوا بالمن والسلوى، ولم يتذوق الناس سوى مرارة ممارساتهم الجهنمية، واليوم الكلام لهم بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة، وتفوقوا على أيوب بالصبر، واستسلم الأمل أمام أملهم، ويتوجهون الى المسؤولين، بالقول: شعاراتكم الزائفة انتهت صلاحياتها، ومناكفاتكم وخلافاتكم الطائفية الشعبوية لا تطعم جائعاً أو تروي عطشاناً أو تداوي مريضاً أو تعيد الحقوق الى أصحابها أو تعوّض على اللبنانيين معاناتهم وقهرهم. وعنادكم وكبرياؤكم واذلالكم لشعبكم سينقلب عليكم ولو بعد حين، وتصاريحكم ومواقفكم وأحاديثكم واطلالاتكم الاعلامية باتت مثيرة للاشمئزاز، وتحركاتكم ومحاولاتكم الانقاذية الكاذبة أصبحت موضة قديمة، وتحليلاتكم وخططكم المستقبلية الوهمية انتهت صلاحياتها مع انتهاء صلاحياتكم وقدرتكم وارادتكم. وبالمختصر المفيد انه العجز التام الذي سيتسبب عاجلاً أم آجلاً بانفجار، لكن لا أحد يتوقع متى يبدأ والى أين يصل.

أثبتت التجربة لا بل التجارب المتلاحقة أن الرهان على يقظة ضمير السلطة الحاكمة، فاشل، وما يجري اليوم على الصعد كافة خير دليل حتى بات الجميع على قناعة بأن هناك مخططاً لتفتيت البلد وهدمه فوق رؤوس أهله. فلا رئيس للجمهورية بحيث أن انتخابه أصبح حالة مرضية مستعصية، ونادرة لم يكتشف لها العلاج بعد. حكومة مستقيلة تتحول الى قنبلة موقوتة عند كل اجتماع، وتتعطل مفاعيل قراراتها بسبب الخلافات الدستورية. مجلس نواب منقسم لا يمكنه انتخاب رئيس ولا عقد جلسات تشريعية بسبب المقاطعة في ظل الشغور ما يعني أنه معطل عن القيام بمهامه. سلك قضائي نخرته السوسة السياسية حتى العظم، وبدل أن يكون هو الحَكم أصبح بحاجة الى حَكم. مصارف أقفلت أبوابها، وتهدد بالتصعيد، ما دفع المودعين الى إضرام النيران أمامها في أكثر من منطقة. القطاعات الحيوية والضرورية كالمستشفيات والأفران تئن تحت ضربات ارتفاع سعر صرف الدولار. قطاع عام ومؤسسات في حالة اضراب عام وشامل أو متقطع لأن الحلول على القطعة وتأتي كإبرة مورفين لا أكثر ولا أقل. وتتوج كل هذه الأزمات، بضربة انهيار الليرة أمام الدولار الذي تخطى الـ 81 ألفاً وما يرافق ذلك من ارتفاع في الأسعار.

رأى رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الوضع لا يوحي بالطمأنينة. نحن أمام واقع أليم، يدعو الى تحرك عاجل لكل القوى السياسية للمبادرة الى انتخاب رئيس للجمهورية لاعطاء نوع من الاستقرار السياسي والانطلاق بالمعالجات الاقتصادية اذ لا يمكن الاستمرار في هذا النهج”، كاشفاً عن أنه سيدعو الى “اجتماع عاجل يوم الاثنين المقبل في الاتحاد العمالي العام تحت عنوان صرخة وطن، قد لا يؤدي الى نتيجة، لكن أيضاً لا يمكن السكوت عن الوجع بل علينا أن نصرخ”.

وأوضح “أننا أجلنا الاضراب بسبب المخاوف الأمنية، اذ أبلغتنا بعض الأجهزة التخوف من خضات أمنية، ومن تفلت الشارع، ودخول طابور خامس في المظاهرات التي تأخذ البلد الى مكان لا نريده، على الرغم من أن التظاهر حق ديموقراطي للتعبير عن رفض الواقع. علينا أخذ الحيطة والحذر في هذه المرحلة لأن البلد مشرّع. الله ينجي لبنان لأنه عندما يصل الدولار الى حدود الثمانين ألفاً، وتسريبات غير مطمئنة من هنا وهناك، ومافيات تتحكم بالبلد من تجار ومستوردين مع انهيار المؤسسات كافة، الى أين نحن ذاهبون؟ انه سؤال جوهري. اذا كان هذا الواقع المأزوم على الأصعدة كافة لا يستدعي هبّة من الجميع، فمتى يمكن أن نهب ونتحرك؟ حين تلتهمنا النيران؟”.

وحذر الأسمر من “الفوضى الشاملة التي نرى مؤشراتها اليوم على الأرض، ويجب أن نتصدى لها قبل فوات الأوان”، داعياً الى “انتخاب رئيس للجمهورية بسرعة، ليكون مدخلاً الى الحلول”.

واستغرب الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي “من أشخاص يعتبرون أنفسهم مسؤولين، وفي الوقت عينه هم أبعد ما يكونون عن تحمل المسؤولية”، معتبراً أن “ما يجري اليوم هو الفوضى بعينها في كل مكان وعلى كل الأصعدة. الدولة تتفكك كل يوم أكثر من يوم. المؤسسات تنهار بسرعة كبيرة. الناس في وضع معيشي ليس صعباً انما مستحيل خصوصاً لمن له دخل أو أجر فردي بالليرة اللبنانية، ومهما صحح الأجر لا يمكن تغطية الحاجات الضرورية”.

وقال: “هل يمكن المراهنة على الطبقة السياسية وعلى القضاء النزيه؟ القضاء الداخلي أو الدولي ان لم يستطع استرداد الأموال المفقودة بالعملة الصعبة والتي هي ملك الناس أو أجزاء أساسية منها، فإن الوضع الى مزيد من التدهور. لا يمكن لشعب بأكمله الاعتماد على تحويلات اللبنانيين أو مردود بعض الصادرات خصوصاً أن الدولة مفلسة. كنا من أغنى دول العالم بنسبة الودائع في الدولار قياساً الى عدد السكان. أليس هناك أي مسؤول عن هذا التدهور السريع وفقدان عشرات مليارات الدولارات؟ ليس هناك أي محاولة جدية للانقاذ”.

واذ أكد يشوعي أنه “لا يجوز أن يضحك الخارج على عقول اللبنانيين ويطالبهم بالاصلاح”، تساءل “هل يجوز مطالبة من أوصل البلد الى ما وصل اليه بالاصلاح؟ هل يمكن طلب البناء من الهدامين؟ مطالبة السلطة بالاصلاحات مزحة لأن ذلك يعني ادانة لها. ثم من يضع القوانين الاصلاحية؟ أليس فريق الهدامين؟ هل يمكن أن نصدق أن أي قانون جدي يمكن أن يكشف مسببي فقدان الأموال قد يسير على طريق التنفيذ؟ من كان وراء انهيار لبنان وسقوطه سياسياً واقتصادياً ومصرفياً واجتماعياً يمكن أن يقبل بقانون كهذا؟ طبعاً لا يقبلون لأنهم هم المرتكبون”.

ولفت الى أن “الجوع كافر، ولا يمكن تحمله، ونحن في مرحلة الجوع وكل الأمور واردة”، متمنياً على المسؤولين “أن يجلسوا مع بعضهم البعض، ويتبرعوا بأموالنا، ويغذّوا خزينة الدولة سراً، وضخ مليارات الدولارات. والأفضل أن يقوموا بهذا الفعل رضائياً قبل أن يحصل ذلك بالالزام. من سيحميهم في النهاية اذا الشعب ثار؟ لأن من يرمي نفسه في مركب الموت هرباً من الجوع لن تصعب عليه محاسبة هؤلاء. أنقذوا أنفسكم بالتبرع لأنه سيحميكم من غضب الناس. عندما يموت الضمير، وتخفت مخافة الله وتختفي من النفوس، يفقد الانسان كل شيء، ويصبح كائناً مرعباً”.

ورأى أن “البلد يتيم، بلا سلطة ولا مسؤولين ولا مهتمين. المسؤولون أتوا الى السلطة من أجل مصالحهم وليس من أجل البلد أو اللبنانيين. الهدف من السلطة، السلطة بحد ذاتها ووسيلة للاثراء غير المشروع. لو كان هناك حد أدنى من عزة النفس، فليستقل فريق الهدم لأن ليس لديه مستقبل سياسي، فهو فشل في ادارة البلد فشلاً مدوياً، وبطريقة الحكم، وبسياساته الخاطئة. الطبقة السياسية، تاجرت بالدين كثيراً وبالحصص الطائفية، وهذا لا ينفع لا بل نتائجه كارثية، وهذا ما نعيشه اليوم”.

شارك المقال