سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يجتمع طرابلسيّان إلّا ويكون الحديث عن الوضع الأمني والاقتصادي ثالثهما، فلا يُخفى على أحد حجم الكارثة التي ضربت أهالي المدينة لا سيما بعد تجاوز سعر صرف الدولار الـ 80 ألف ليرة، الأمر الذي دفع عدداً من المواطنين إلى قطع الطرقات تارة أو إجبار بعض المحال التجارية على الاقفال تارة أخرى بقوّة السلاح والرصاص الطائش الذي أغرق سماء المدينة وأرعب سكانها، وذلك تنديداً بالظروف الاقتصادية التي يئس الطرابلسيون من التعبير عن تداعياتها وانعكاساتها السلبية عليهم.

قد يرى البعض أنّ عودة الاحتجاجات إلى بعض الطرقات في المدينة ضرورة ملحة في هذه الأزمة المالية مع الارتفاع الجنوني للدولار والذي قلب بدوره الوضع رأساً على عقب، إذ لم يكن أيّ مواطن طرابلسيّ يتحمل الأسعار المرتفعة التي كانت تفرض عليه فحرم نفسه الكثير ليتأقلم مع هذه الأزمة، وبالتالي لم يكن انهيار الليرة بهذا الشكل ليمر مرور الكرام من دون أيّ تحرك.

وفي حين تتوقّع أوساط طرابلسية مزيداً من التصعيد في الأيّام المقبلة، يُمكن القول إنّ هذه التحرّكات (التي بدأت بقوّة السلاح واللجوء إلى العنف مع بعض المحال التجارية التي كانت أقفلت مرغمة استجابة لمطالب بعض المسلّحين الذين ظهروا فجأة في بعض الأمكنة) لم تستمرّ بمستوى القوّة عينه، بل كانت تتصاعد نبرة الغضب فيها حيناً، فيما تعود إلى مستواها الطبيعي بعيداً عن الغضب حيناً آخر، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول هذه “الموجة” التي لم تعرف منذ ظهورها الاستقرار والثبات.

صحيح أنّ الاحتجاجات لم تقتصر على الفيحاء فحسب، بل انسحبت على عدد من المناطق والمدن اللبنانية، لكنّها لم تُشبه ما حصل في المدينة التي لم تتحد ضمن خانة احتجاجية واحدة واضحة الأهداف أوّلاً، إذْ استشاط مواطنون غضباً من أزمة الدولار فقطعوا الطرقات، فيما استهدف آخرون بعض المصارف، لنشهد في ضفة أخرى على احتجاجات لعمّال بلدية طرابلس الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم وغيرها من الأهداف التي لا يزال بعضها قائماً ودفعت عمّال البلدية إلى منع المواطنين من سحب أموالهم من جهاز الصراف الآلي التابع لـ “بنك عودة” – طرابلس، مطالبين بدفع رواتبهم وفقاً لدولار منصّة “صيرفة”، وقاموا بإحراق بعض الاطارات احتجاجاً على إهمال مطالبهم.

أمّا ثانياً، فلم تشهد أيّ مدينة أخرى مثل هذه الخضة الأمنية التي واجهتها طرابلس حيث عاش أهلها لحظات من الرعب لا يُستهان بها، فالأسلحة التي ظهرت فجأة لا تُطمئن، كما انتشار مسلّحين بين الطرابلسيين الذين يرغبون في العيش بسلامٍ تام، لا يُطمئن أيضاً، بل يدفع متابعون شماليون إلى الحديث عن “فخ” جديد يُنصب للشبان بهدف الايقاع بهم وإقحامهم في ملفات قد تخدم مشروعاً أمنياً أو سياسيّاً.

ويُؤكدّ المتابعون أنّ “الارتفاع الجنوني للدولار أو الظلم الذي يتعرّض له العامل أو المودع يُعاني منه اللبنانيون منذ أكثر من عاميْن، ولم يتجرّأ أحد من الشبان على التوجه إلى الشارع بهذا الشكل العنيف والعلني بسلاح قد يصيب أبرياء ويهدّد أناساً يُحاولون البحث عن لقمة عيشهم المهدّدة، وبالتالي فإنّ ظهورهم بين الناس مباشرة لا يُنبئ بخير بل هو نتيجة تنسيق وخطّة سمحت لهم بهذا التجاوز من دون أن يخافوا لومة لائم، ما يُشير إلى تمتّعهم بغطاء أمني واضح ليتمكّنوا من التحرّك بهذه الطريقة”.

سيناريوهات قائمة

وسط هذه المشهدية القاتمة، لا يكفّ المتابعون عن الحديث عن سيناريوهات مختلفة قد تفتح أبواب العنف في طرابلس من جهة، وقد تُغلق باب الفتنة والتهوّر من جهة ثانية، وبين سلبيات الأولى وإيجابيات الثانية، لا يُخفي أحد أنّ الوضع في طرابلس لا يسير على ما يُرام، إذ بلغت السرقة واستخدام الأسلحة مباشرة، حدوداً لا تُحتمل يخشى الكثيرون محاولة اجتيازها.

ويُشدّد أحد المتابعين على أنّ سيناريو حرق المصارف بات أمراً واقعاً ولم يحدث للمرّة الأولى، لكن ما قد يحصل أخطر بكثير، “فقد يقوم البعض بحرق محال وأسواق والقيام بسرقتها أو ارتكاب جرائم فيها لزعزعة الوضع الأمني والتحجج بالظروف المعيشية، أمّا إذا أراد القائمون على الوضع الأمني والسياسيّ تهدئة الوضع، فهم قادرون على ذلك حتّى من دون إجراءات إصلاح، لكنّهم قد يلجأون أحياناً إلى فرض هزة أمنية من طرابلس قلنا سابقاً إنّها تستهدف تنفيذ أجندات رجال المال والسياسة في لبنان”، وفق ما يقول لـ”لبنان الكبير”.

وعن الاجراءات التي يُمكن اتباعها في هذه الظروف، يُؤكّد أهمّية عدم خروج المواطنين ليلاً وأخذ احتياطاتهم نهاراً، مع أهمّية التركيز على “توأمة” الجهود بين المؤسسة العسكرية وأبناء المدينة الذين يتعاطفون معها دائماً، مذكّراً بأنّ “قائد الجيش العماد جوزيف عون كان زار طرابلس السنة الماضية في التوقيت نفسه تقريباً أي في شهر شباط والتقى مرجعياتها الروحية الاسلامية والمسيحية في دار الفتوى ومطرانية طرابلس المارونية والمجلس الاسلامي العلوي، ورفض وصمها وشبانها بالإرهاب حينها، من هنا على المؤسسة مساعدة الطرابلسيين في هذه الأزمة العصيبة بالتعاون معهم والانصهار في همومهم لا بمهاجمتهم بطوافة عسكرية أو استعراض قواها أمامهم، فهذا لن ينفع في هذه الظروف، إذاً التعاون بين الجهتين هو الحلّ”.

شارك المقال