عام على الحرب الأوكرانية: موت الليبرالية في روسيا

حسناء بو حرفوش

بعد مرور عام على الحرب، يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقاً لمقال في موقع “نيويورك تايمز” على صياغة شكل البلاد التي يتوق إليها وعلى التأثير على المستوى المحلي في بلاده، في الوقت الذي يواجه غزوه انتكاسة بعد الأخرى. وحسب المقال، “تسربت المظالم والبارانويا والعقلية الامبريالية التي دفعت بوتين لغزو أوكرانيا إلى عمق الحياة الروسية بعد مرور عام على الحرب وشهدت روسيا اضطراباً مجتمعياً واسعاً، وإن بصورة غير متكافئة، جعل الزعيم الروسي أكثر هيمنة من أي وقت مضى في الوطن. فعلى الأرض، يجمع تلاميذ المدارس علباً فارغة لصناعة الشموع للجنود في الخنادق، بالتزامن مع تعلمهم أن الجيش الروسي لطالما حرّر البشرية من (المعتدين الذين يسعون الى السيطرة على العالم).

وشهدت المتاحف والمسارح الروسية، تلاشي الوضع الخاص وشطب أسماء فنانيها المناهضين للحرب، بالتوازي مع الاصرار على اللعب على (النازية) التي تسعى إلى تصوير التحالف العسكري الغربي على أنه يشكل تهديداً وجودياً مثل النازيين في الحرب العالمية الثانية. وفي الذكرى السنوية، يستمر الجيش الروسي في مواجهة الانتكاسة تلو الأخرى، بحيث لم يحقق هدفه المتمثل في السيطرة على أوكرانيا. لكن في الداخل، وفي مواجهة مقاومة قليلة، سمحت له سنوات الحرب التي شهدها بوتين بالذهاب إلى أبعد مما كان يعتقد الكثيرون أنه ممكن في إعادة تشكيل روسيا على صورته.

في هذا السياق، يتباهى كونستانتين مالوفييف، الروسي المعروف بنهجه المحافظ للغاية، في مقابلة عبر الهاتف (بموت الليبرالية في روسيا إلى الأبد. وكلما طال أمد هذه الحرب، زاد المجتمع الروسي من تطهير نفسه من الليبرالية والسم الغربي). واعتبر أن استمرار الغزو لمدة عام جعل التحول في روسيا أعمق بكثير مما كان سيحصل لو تحققت آمال بوتين في إحراز نصر سريع. وسعى الكرملين لسنوات الى إبقاء مالوفييف بعيداً عن الآخرين، حتى عندما قام بتمويل الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا ودعا إلى إصلاح روسيا لتصبح إمبراطورية ذات (قيم تقليدية) خالية من النفوذ الغربي، لكن ذلك تغير بعد الغزو. وقال مالوفييف إن الأهم من ذلك هو أن الليبراليين الروس إما أسكتوا أو فروا من البلاد، بينما غادرت الشركات الغربية طواعية.

واتضح هذا التغيير الأربعاء الماضي في تجمع على طريق غاردن رينغ المزدحم في موسكو، حيث اجتمع بعض أبرز نشطاء حقوق الانسان الذين بقوا في روسيا في وداع أخير: مركز ساخاروف، وهو مركز لحقوق الانسان. الأرشيف الذي كان مركزاً ليبرالياً لعقود من الزمان، كان يفتتح آخر معرض له قبل أن يُجبر على الاغلاق بموجب قانون جديد. وقال رئيس المركز فياتشيسلاف باخمين، الذي كان سابقاً معارضاً عن الاتحاد السوفياتي، للحشد المجتمع: اليوم، يحدث ما لم نكن نتخيله منذ عامين أو حتى قبل عام.

ويردف ألكسندر دانيال، الخبير في شؤون المنشقين السوفيات، بعد ذلك: تم بناء نظام جديد للقيم، القيم العامة الوحشية والقديمة. قبل عام، عندما حذرت واشنطن من غزو وشيك، رفض معظم الروس هذا الاحتمال. وفي النهاية، نصب بوتين نفسه كرئيس محب للسلام لن يهاجم دولة أخرى. لذلك، بعد أن بدأ الغزو، الذي أذهل بعض أقرب مساعدي الرئيس، سارع الكرملين إلى تعديل دعايته لتبريره واتهام الغرب ببدء الحرب من خلال دعم (النازيين). وفي الوقت نفسه، لم تتغير الحياة اليومية كثيراً بالنسبة الى الروس الذين ليس لديهم أحد أفراد الأسرة يقاتل في أوكرانيا، الأمر الذي أخفى أو خفف من تكاليف الحرب. ولكن يقدر المسؤولون الغربيون أن ما لا يقل عن 200 ألف روسي قتلوا أو جرحوا في أوكرانيا، وهي حصيلة أكثر خطورة بكثير مما توقعه المحللون عندما بدأت الحرب”.

 

شارك المقال