لقاء علوش وريفي: ترتيبٌ “حرج” للبيت الطرابلسي

إسراء ديب
إسراء ديب

ينظر كثيرون إلى اللقاء الذي جمع الدكتور مصطفى علّوش والنائب أشرف ريفي في طرابلس منذ ساعات، والقائم على فكرة “مواجهة مافيا السلاح والفساد في لبنان”، كتعبير مباشر عمّا أفرزته الحال السياسية والشعبية الناتجة عن الضجّة الكبرى التي أحدثها يوم 14 شباط الماضي، أيّ بعد عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت ورصد الدعم الشعبي الذي أغرق ساحة الشهداء بالهتافات المناصرة له من الشمال إلى الجنوب، الأمر الذي أربك الكثير من “قدامى المستقبل” الذين اعتقدوا حينها (لا سيما بعد غياب الحريري عن الساحة)، أنّ الحريرية التي كانوا تمسّكوا بها لأعوام قد انتهت إلى غير رجعة، وهذا ما نفاه المناصرون أنفسهم بصورة قاطعة.

قد يرى البعض أنّ لقاء علوش وريفي يصبّ في مصلحة سياسة مناهضة لسلاح “حزب الله”، وهو الخطّ الذي يتمسّك به ريفي منذ أعوام، وعُيّن لأجله علوش أميناً عاماً لـ “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان” منذ تمّوز العام 2022، إلا أنّ الحديث عن “كسر جليد” بين الطرفين من جهة، أو عن تحالف “طرابلسي” يضم قيادات سابقة لتيّار “المستقبل” أو للمقرّبين من هذا المزاج السياسي من جهة ثانية، يُثير الريبة لا سيما وأنّ علوش الذي ترشح للانتخابات النيابية عام 2022، كان عارض كلّياً أيّ تعاون أو تنسيق انتخابي مع أبرز القيادات السنّية على الصعيد الشمالي، ولم يُحبّذ التعاون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو ريفي حينها، ووفق المعطيات فإنّ الاعتراض كان يعود الى رغبة الرئيس فؤاد السنيورة في وراثة الحريرية السياسية.

من هنا، يُشكّك مراقبون في قدرة هذا الاجتماع على تحقيق أهدافه في ظلّ انقسامات واضحة ومعلنة تضرب المكوّن السنيّ عموماً، والطرابلسيّ خصوصاً، على الرّغم من وجود بعض الشخصيات السياسية ومنها نواب سابقين طرابلسيين يُحاولون إثبات وجودهم بمؤتمرات صحافية وإطلاق بعض التصريحات التي تُعمّق الخلافات مع القيادات الطرابلسية المعروفة بصورة أعمق، ما ينعكس على المشهد السياسي في مدينة تعدّدت فيها الوجوه السياسية التي لم تُقدّم ما ينفع لصالح أبنائها.

وقد تكون هذه المبادرة التي أُعدّ لها بعد زيارة الرئيس الحريري إلى لبنان، مؤشراً واضحاً إلى “انفصام” حاد يجعل الطرف السنيّ خارج اللعبة السياسية أكثر، إذْ يعتبر متابعون أنّ “ريفي بات يُمثل معراب وأهلها أكثر ممّا يُمثلها النائب إيلي خوري ابن هذه البيئة السياسية وأحد أعضائها، والذي تختفي مبادراته طرابلسياً ولا يلعب دوره مسيحياً في مدينته، وقد يُمثله ريفي أكثر منه”، بينما يتخوف آخرون من إصرار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على محاولاته المتكرّرة لكسب الشارع السنيّ ومن “هوس” السنيورة بوراثة السنية السياسية قيادة وشعباً.

في الواقع، فشلت مبادرات عدّة سابقة في توحيد المكوّن السني، وكانت الانتخابات النيابية خير دليل على ذلك. ولو كانت ارادات بعض التيارات أو الأحزاب أو الشخصيات الاجتماع حينها لمصلحة طرابلس التي لم يدفع أيّ منها لنهضتها وتنميتها “ألف ليرة لبنانية”، لما وقعت التفرقة انتخابياً، بل كانت اجتمعت وتعاونت على الأهداف عينها أي” محاربة حزب الله بسلاحه والفساد في البلاد” والتي لم يُنفذ أيّ توصية أو وعد واحد منها، ولم يبقَ سوى بعض التغريدات “التويترية” المحرّضة بلا أيّ تحرّك يُنجز.

ويستبعد مراقبون أن يُؤدّي هذا اللقاء إلى تشكيل تحالف متين كما يُقال، ووفق المعلومات فقد كان لقاءً ودياً، أمّا على الطاولة السياسية الطرابلسية تحديداً، فلن يُشكّل أيّ تغيير على هذا الصعيد، إذْ لا يُمكن الوصول إلى نتيجة تنعكس على المدينة إيجاباً إلّا بتواصل واضح وموحد مع مختلف الطبقات السياسية في المدينة، وبالتالي على هذا التواصل أن يشبه إلى حدّ كبير لقاء النواب الطرابلسيين الدوري، “وحتّى لو نفذت هذه الاستراتيجية فلن تُجدي نفعاً مع تضارب المصالح والتدخل السياسي من خارج المدينة”، وفق المراقبين.

وفي التفاصيل، يُواجه الطرفان حرجاً على مستوى المدينة لا سيما بعد الانتخابات، فعلوش الهارب من عباءة الحريري لم تكن وجهته مناسبة لأبناء مدينته الذين استغربوا كثيراً خطوته وابتعاده عن تيّار “المستقبل” (الذي دافع عنه لأعوام حتى آخر رمق) بخطوة غير متوقّعة تكلفه الكثير سياسياً.

وفي نظرة الى ريفي، قد يجد طرابلسيون أنّه لم يُحقّق بعد انقضاء عام على الانتخابات أيّ إنجاز أو مشروع يصبّ في مصلحة طرابلس، بل كانت فترة مليئة بالوعود والتخبّطات السياسية التي تضعه أيضاً في موقف محرج أمام مناصريه من جهة، والمواطنين من جهة ثانية، لا سيما وأنّ التقرّب من معراب كان “الخطيئة الكبرى” له في هذه المرحلة، خصوصاً وأنّ التصالح الطرابلسيّ مع رئيس “القوات” يبقى أمراً مستحيلاً ومرفوضاً كما بات معروفاً، الأمر الذي ينعكس على شعبيته التي لم يكن ينقصها هذا التحالف نظراً الى تمتّعه بشعبية خاصّة من أبناء المناطق الشعبية الذين يرفضون سياسة جعجع “جملة وتفصيلاً”.

شارك المقال