عصيان مدني “كهربائي” في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

يعجز المواطن الطرابلسي عن تحمّل تداعيات الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلاد، فلا يمر يوم على هذه المدينة إلّا وتزداد فيه الكوارث (التي كرسّتها السياسة الرسمية والحكومية والتي أقلّ ما يُقال عنها انّها فاشلة)، تعقيداً وسوءاً.

وإذا كان الحديث عن الكارثة الاقتصادية روتينياً ومعتاداً على الصعيد المحلّيّ، فإنّ لجوء الطرابلسيين إلى التفكير في كلّ ما يرتبط بالعصيان المدني بصورة مباشرة أم غير مباشرة تنديداً بكلّ ما يرصدونه من إهمال وإجحاف بحقّهم لن يكون معتاداً أبداً، لا سيما وأنّ ما يواكبونه من ممارسات أمنية وعسكرية يُمكن إدراجها فعلياً ضمن إطار “اللامنطق”، بحيث يُفاجأون باستنفار غير مسبوق للقوى الأمنية التي قامت بتسطير محاضر ضبط على سيارات مختلفة في المدينة “ع الماشي”، الأمر الذي أثار غضب المواطنين لا سيما أولئك الذين صدموا بهذه المخالفة التي تصل إلى 50 ألف ليرة، مع العلم أنّهم كانوا يركنون سياراتهم في هذه الشوارع والطرقات منذ أعوام من دون حسيب أو رقيب، ليفاجأوا اليوم بمخالفات لم تكن في الحسبان، خصوصاً أنّ أيّاً منهم لم يدرك أنّهم باتوا يحتاجون إلى مواقف خاصّة للسيارات مهما كلّفهم الأمر، بدلاً من التعرّض لمخالفة يرون أنّ مستحقّيها لا يستحقّون ليرة واحدة منها، ما يدفع الكثيرين منهم إلى التفكير جدّياً بعدم دفعها، لأنّ الدّولة باتت تفرض حقوقها عنوة عليهم من دون أن تقوم بواجباتها، وفق ما يرى الكثير من المواطنين.

وتتحدّث آلاء التي عادت من بيروت عبر الحافلة إلى ساحة النور، عن صدمتها بمحضر الضبط الذي سطّرته القوى الأمنية بحقّ سيارتها، وتقول لـ”لبنان الكبير”: “أركن سيارتي مع المئات من المواطنين أسبوعياً على طريق المعرض بالقرب من ساحة النور، ولكن لم يسبق لي أن شهدت مثل هذه الظاهرة التي تبدو قانونية في الظاهر، إلا أنّها ظالمة جداً خصوصاً حين لا نعرف ما نخالف، متى نخالف، وأين نخالف أيضاً”.

ويُعلّق أمجد الذي نال أيضاً نصيبه من هذا الاجراء الأمني، واصفاً اياه بالخطوة “العشوائية وغير المدروسة نظراً الى عدم معرفة المواطن بها”، موضحاً أنّه كان ركن سيارته لاستلام مبلغ من المال بالقرب من مستشفى النيني، ليُفاجأ بعد 10 دقائق بمحضر تصل مخالفته الى 50 ألفاً. ويشير الى أنّه سارع الى دفعه لكن “من فرض علينا هذا المحضر وبعد وضعنا تحت الضغط، منعنا من دفعه لظروف وأسباب لا نتحكّم بها ولسنا مسؤولين عنها، إذ بحثنا كثيراً عن طوابع مالية لكنّنا لم نجدها”، لافتاً إلى أنّ صديقه كان ركن سيارته في المعرض أيضاً وسطّر بحقّه محضر ضبط وقيل له إنّ السبب يعود الى ركنها على اليسار وكان من المفترض ركنها على جهة اليمين، “الأمر الذي يزيد من حدّة الاستغراب، فكيف يُمكننا أن نعرف هذه التفاصيل الدقيقة في كلّ شارع وزاوية؟”.

يُمكن القول إنّ محاضر الضبط برسومها تبقى شكلية، مع العلم أنّ الكثير من المواطنين يخشون التأخير في دفعها بسبب القلق من تراكماتها التي يُمكن أن تصبح بالملايين، لكن الطامة الكبرى الحقيقية تكمن في فقدان الطوابع المالية، ووفق أحد المتابعين فإنّ محضر الضبط يحتاج إلى طابعين، كلّ منهما بـ 50 ألف ليرة، لكن نظراً الى فقدانها من الأسواق حتّى من مراكز السجل العدلي، فإنّ كلّ من يملك هذه الطوابع يقوم ببيعها بالسعر الذي يُريد وعلى مزاجه.

ويرى أنّ هذه الاجراءات “مصيدة” ضدّ الفقراء في طرابلس نظراً الى غياب أي بيان أو إعلان يُعلم المواطنين بها، وقد بدأت منذ أسبوع تقريباً، وهي مهمّة تندرج أيضاً ضمن مهمّات أخرى تكمن في إقامة حواجز ليلية أحياناً ورصد السيارات “المُفيّمة” أحياناً أخرى، مع ضرورة طلب الهويات والأوراق الثبوتية من بعض المواطنين.

إلى ذلك، يبدو أنّ هذا الأسبوع حافل بالأحداث في مدينة طرابلس التي رفض المئات من أبنائها دفع رسوم ساعات الكهرباء التابعة لشركة “قاديشا”، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنّه “عصيان مدني واضح وصريح لكنّه بلا ضجيج أو فوضى، بل كان حقاً من حقوقهم حين تقوم الدّولة بتسعير رسوم الساعات على الدولار ووفق سعر صيرفة المرتفع للغاية”. لذلك، ازدحم مواطنون أمام “كهرباء قاديشا” لتقديم طلبات إزالة عدّادات الكهرباء التابعة للشركة، في خطوة لاقت استحساناً حتّى من مدن ومناطق أخرى نظراً الى جرأة هذا الاجراء الذي يُؤكّد رفض المواطنين لسياسة الدّولة المتبعة والتي يرونها قائمة على جني الأرباح فقط.

وتُعبّر ميرفت من الزاهرية عن خيبة أملها بهذه الفواتير “التي لا تعرف الرحمة”، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “لا أريد ساعة الكهرباء هذه، فإذا كنّا ندفع 90 دولاراً للمولّدات الكهربائية لنحصل على 3 أمبير، فماذا قدّمت لنا الدّولة سوى ساعات معدودات لم نستفد منها لأنّ معظمها يأتي بعد منتصف الليل، كما أنّها بقوّتها أضعف بكثير من قوّة الاشتراك، فلم أقم بتشغيل سخان الماء ولا حتّى المولّد المائي أو البراد والغسالة على كهرباء الدّولة بل على الاشتراك، لأصدم بفاتورة تصل إلى مليون و200 ألف ليرة؟ لماذا كلّ هذا الظلم؟ هل أدفع كلّ هذه المبالغ لأنّني قمت بإنارة لمبة واحدة في المنزل فحسب؟ لا نريد شيئاً من هذه الدّولة إن لم تقم بإصلاح سياساتها وخططها معنا. نحن لا نمانع سرقتها لنا ولا رغبتها وطمعها في الربح، لكنّنا نمانع طعنها لنا باستمرار، فلتعطنا حقوقنا ولتقم فيما بعد بما تُريد”.

شارك المقال