كيف أصبحت الصين صانعة سلام في الشرق الأوسط؟

حسناء بو حرفوش

مهدت خطوات واشنطن الخاطئة الطريق أمام بروز بكين كلاعب قوي وصانع سلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما ترجمته التطورات الأخيرة بحيث سلطت الضوء على الدور الريادي للصين وعلى غياب الولايات المتحدة في المنطقة. ولطالما خشيت واشنطن من تنامي النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، حسب مقال في موقع “فورين أفيرز” الالكتروني، الذي ربط هذه الخشية بالسيناريو المتخيل لتسبب الانسحاب العسكري الأميركي بفراغات جيوسياسية تفسح المجال أمام تدخل الصين. لكن الفراغ ذي الصلة لم يكن فراغاً عسكرياً وإنما هو فراغ ديبلوماسي خلفته السياسة الخارجية.

ومثلت الصفقة الأخيرة في المنطقة مكسباً لبكين، فمن خلال التوسط في خفض التصعيد، ساعدت في تأمين إمدادات الطاقة التي تحتاجها وصقل أوراق اعتمادها كوسيط موثوق به في منطقة مثقلة بالصراعات، وهو أمر لا تستطيع واشنطن فعله. كان النجاح الصيني ممكناً إلى حد كبير بسبب العثرات الاستراتيجية الأميركية.

وفتح النهج الأميركي المتضارب في المنطقة، الطريق أمام الوساطة الصينية. وبعد أربعة أيام من المفاوضات في بكين الأسبوع الماضي، أعلن بيان ثلاثي مشترك عن اتفاق بين السعودية وإيران لاعادة فتح السفارتين واستئناف العلاقات الديبلوماسية في غضون شهرين. وأكد البلدان احترام سيادة كل منهما وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر كما أعاد التعاون الأمني والاتفاقيات التجارية القديمة.

وعزز الانسحاب الأميركي من أفغانستان الرسالة التي بعث بها التقاعس الأميركي في العام 2019، وأكد لمعظم الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة كانت بالفعل تغادر المنطقة، وحتى لو أبقت القوات والقواعد منتشرة حولها، فقدت إرادتها للقتال في الشرق الأوسط أو من أجله. عندما قام مستشار الأمن القومي لـ (جو) بايدن، جيك سوليفان، بجولة في المنطقة بعد الانسحاب من أفغانستان، أعرب القادة عن إحباطهم من السياسة الأميركية غير المنتظمة.

وفي حين أن انجذاب (دونالد) ترامب بعيداً عن الشرق الأوسط لعب دوره أيضاً في دفع الصفقة الأخيرة، ساعد نهج بايدن اللاحق “العودة إلى الأساسيات” أيضاً في تمهيد الطريق لظهور الصين كصانع سلام جديد، على الرغم من تأكيده بوضوح أن الولايات المتحدة ستظل شريكاً نشطاً ومشاركاً في الشرق الأوسط و”لن ننسحب ونترك فراغاً ستشغله الصين أو روسيا أو إيران”. وكما قال وكيل وزارة الدفاع كولين كال في خطاب ألقاه في تشرين الثاني الماضي، الصراع بين الولايات المتحدة والصين “ليس منافسة دول بل منافسة تحالفات”.

ونتيجة لذلك، اعتقدت واشنطن أنها بحاجة إلى إبقاء شركائها قريبين وفي المقابل، عملت بكين على تقوية علاقاتها مع جميع القوى الاقليمية من دون الانحياز الى أي طرف أو التورط في نزاعاته. وردت واشنطن بالتقليل من أهمية الوساطة الصينية.

في نهاية المطاف، تجدر الاشارة إلى أن الشرق الأوسط الذي ينعم باستقرار أكبر يفيد الولايات المتحدة أيضاً، وذلك لأن عدم الاستقرار يهدد تدفق النفط من المنطقة ويضيف مخاطر كبيرة إلى أسعار الغاز. لكن بينما لا تقلق واشنطن بالضبط بشأن دور الصين، يجب عليها أن تعتبره تحذيراً ودرساً تتعلم منه. إذا استمرت الولايات المتحدة في التورط في صراعات شركائها الاقليميين، وجعلت نفسها جزءاً من المشكلة بدلاً من الحل، فستصبح مساحة المناورة الديبلوماسية محدودة أكثر فأكثر وتتنازل عن دور صانع السلام للصين. وبدلاً من ذلك، يمكن خدمة المصالح الأميركية بصورة أفضل إذا توقفت واشنطن عن الانحياز إلى جانب في النزاعات الاقليمية، وعادت إلى الحديث عن شروط مع جميع اللاعبين الاقليميين الرئيسيين، وساعدت في تطوير هيكل أمني جديد يشجع فيه الوجود العسكري الأميركي المنخفض قوى الشرق الأوسط على تقاسم مسؤولية أمنهم.

يجب ألا تترك الولايات المتحدة دول الشرق الأوسط لتتصور أنها صانع حرب متعنت بينما الصين تحمل السلام بمرونة أكبر. لحسن الحظ، لم تفلت الأمور تماماً من يد واشنطن.

شارك المقال