قوى “السيث” تكذب… الدول الاقليمية ليست متشددة

محمد شمس الدين

كتراقص شاكيرا على أغانيها يرقص السياسيون على ما تبقى من أطلال وطن، تارة ينتظرون الاتفاق السعودي – الايراني، وتارة أخرى انقشاع الحرب الأوكرانية – الروسية وربما سينتظرون انتهاء الحرب بين الثوار والامبراطورية في سلسلة أفلام “ستار وورز” الشهيرة. ومن أوجه التشابه مع السلسلة أنهم جميعاً يعدوننا بالمخلص، ولكن من المؤكد أنه بدلاً من “لوك” سنحصل على والده “انيكين” الذي انتقل إلى الجهة المظلمة وتحول إلى “دارث فايدر”، وبدلاً من أن يحقق العدل والسلام، جلب الظلم والويلات.

هي مرحلة انتظار حل تقطيع المرحلة، كما جرت العادة على مر تاريخ هذا البلد، يؤكدون أننا شعب يحتاج إلى وصي خارجي، يطالبون بالسيادة ويقولون هذه الدولة لا ترضى بـ “فلان” وتلك الدولة لا ترضى بـ “علتان”، وعلينا الاستعداد لتلقي الاشارات الاقليمية لتبدأ الحلول عندنا، ولكن أي حلول ستكون؟ فهي لن تكون جذرية، بل بهدف تقطيع الوقت، تأجيلاً للمشكلات العميقة التي يعاني منها البلد، بل يقول أحد المطلعين إنها مرحلة استخراج الغاز وقد تمتد لسنوات، وبالطبع ليس لمصلحة لبنان بل لمصلحة العدو الصهيوني، والمطلوب من لبنان فقط أن لا يسبب المشكلات، وسيعطونه جرعات تسمح له بالتنفس ولكن ممنوع عليه أن يعيش.

عشر سنوات هي العمر الوسطي للتسويات الاقليمية التي أفضت إلى حل للأزمة في لبنان عبر مر التاريخ، فكل 10 أو 15 سنة يدخل في أزمة سياسية، تتشدد فيها القوى السياسية في مواقفها، وتطالب بالمستحيلات، فتأتي الدول الاقليمية، وتحاول مع اللبنانيين، تفشل فتتفق الدول في ما بينها على حل، وتفرضه عليهم، ولا يعترض أي طرف من الأطراف، بل يسير الجميع وفق الأوامر من الخارج، وإن كانت في مراحل سابقة لم تكن مفضوحة إلى هذه الدرجة التي يشهدها البلد اليوم، وأكبر دليل على ذلك هو عندما حلت عقدة تشكيل الحكومة، باتصال بين الرئيسين الايراني إبراهيم رئيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون.

في الأنظمة التي تشبه النظام اللبناني عندما تفضي الانتخابات النيابية إلى انقسام يؤدي إلى شلل الاستحقاقات الدستورية، تجرى انتخابات جديدة، ولكن هذا الأمر من الصعب جداً أن يتحقق في لبنان لأسباب عدة تتصدرها الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، وبذلك يكون الحل الوحيد للخروج من الأزمة، هو التوافق الداخلي، طبعاً إذا كانت هناك نية لدى القوى السياسية لذلك، وتقدم المصلحة الوطنية فوق مصالحها. أما الحجج بأن الدول الاقليمية سترفض هذا الشخص أو ذاك، فنعم قد يكون هناك رفض مبدئي منها على بعض الأسماء، ولكن ليست هناك دولة غير براغماتيكية، فإذا توافق اللبنانيون، ووضعوا خطة ترسم معالم المرحلة المقبلة، مهما يكن الاسم، ستتعامل معه الدول، بل قد تتلقف وصوله بإيجابية. فلنفترض مثلاً أن ميشال معوض هو من أصبح رئيساً، هل سيتسبب وصوله بأزمة؟ إذا لم يتخطَ الخطوط الحمر، وتحديداً المس بسلاح “حزب الله”، فلن يكون للحزب أو إيران مشكلة معه، طالما أن هذا السلاح باعترافه هو وكل القوى السيادية لا يمكن حله لبنانياً، ويحتاج الى توافق إقليمي، وعندها سيكون عهده شبيهاً بعهد ميشال سليمان الذي طالب بنزع سلاح الحزب، وأخذ مواقف ضده، من دون أن يعرض البلد لأزمة عميقة. ولنفترض أن سليمان فرنجية جاء رئيساً، إذا كان أداؤه في المحافل الدولية يصب في خانة الاجماع العربي فعندها لن يكون للسعودية مشكلة معه، وقد تتعامل معه بإيجابية، لأن الأمور ليست كما يصفها الزعماء في هذا البلد، فالدول الاقليمية تفهم الواقع اللبناني جيداً، ويمكن للأطراف اللبنانية أن تتوافق على حلول، وستتعامل معها هذه الدول في حينه. والمطلوب اليوم أن يحصل حوار بين المكونات اللبنانية، ليس في ملف الرئاسة وحسب، بل حوار شامل توضع فيه كل الملفات على الطاولة، من العلاقة مع الدول العربية وسوريا، العلاقة مع إيران، البقاء مع الأحادية الاقتصادية الغربية أو التخلي عنها والتوجه شرقاً، أو ربما تعدد مصادر الاقتصاد اللبناني بين شرق وغرب، وحتى سلاح الحزب يجب وضعه، وطرح هواجس كل الأطراف، وتحديد مصلحة لبنان العليا، وعندها يمكن التوصل إلى أفضل صيغة ممكنة تناسب كل الأطراف. فمثلاً قد يجد الفرقاء السياسيون أن مصلحة لبنان تحتاج الى أن تدخل استثمارات صينية عليه، كما فعلت دول عربية عدة، أو قد يستطيعون التوصل إلى حل لمشكلة سلاح الحزب، إن كان عبر استراتيجية دفاعية، أو عبر تسليح الجيش بسلاح نوعي يستطيع أن يشكل رادعاً للعدو الإسرائيلي، وعندها تنتفي الحاجة الى سلاح الحزب، بل قد يمكن التوصل إلى تنفيذ اتفاق الطائف بكل بنوده، في حال استطاع حوار كهذا أن يبدد هواجس الجميع، أما حلول على الطريقة القديمة فهي ستؤجل الخلاف إلى 10 أو 15 سنة فقط، أو ربما أقل.

القوى السياسية لن تتعلم أن تضع مصلحة بلدها فوق كل اعتبار، اذ تحكمها المصلحة الخاصة، والارتباطات الخارجية، وتبيع الجمهور أوهاماً لا تمت الى الواقع بصلة، ويعيش البلد في عصر إمبراطورية “السيث”.

شارك المقال