الحرب الأوكرانية: الصين متمسكة بعلاقاتها مع روسيا

حسناء بو حرفوش

لفت مقال في موقع “ذا ديبلومات” (The Diplomat) الالكتروني إلى ضرورة إعادة التفكير في الدور الذي تتوخى الصين إظهاره أمام العالم كصانعة للسلام، مشيراً إلى أن بكين متمسكة أكثر من ذي قبل بشراكتها “الراسخة” مع روسيا.

ووفقاً للمقال، “تؤكد التصريحات العلانية والمستمرة للصين على تمسكها بالعلاقات مع روسيا. وأصبحت الصين منذ العام 2019 من أهم داعمي موسكو في أعقاب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن غزو كامل على أوكرانيا في شباط 2022. وقدمت الحرب المستمرة في أوكرانيا الخلفية لزيارة شي، التي جاءت بعد شهر تقريباً من إصدار الصين ورقة موقف رسمية بشأن موقفها من الصراع. وأثار تأكيد بكين على تسوية تفاوضية – ودورها الأخير في التوسط لتحقيق اختراق ديبلوماسي بين إيران والمملكة العربية السعودية – تكهنات حول تطلعها الى لعب دور نشط في التوسط لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية.

ومع ذلك، توضح زيارة شي لموسكو بشكل لا لبس فيه أن الصين مهتمة في الغالب بالحديث عن السلام كورقة توت لتحقيق التقارب بصورة أعمق مع روسيا، وذلك لأن الزعيم الصيني ليس جاداً في السعي الى الضغط على موسكو من أجل اقتراح سلام حقيقي والذي قد يتضمن، على الأقل، سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.

كما أن شي قال لبوتين خلال محادثاتهما إن على الصين وروسيا (دعم بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لكل منهما). كما أخبر المراسلين على وجه التحديد أن التعاون العملي الشامل بين الصين وروسيا أثمر منذ العام الماضي، أي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، نتائج مفيدة وعملية.

وأعلن شي أنه (بغض النظر عن تغير المشهد الدولي، ستبقى الصين ملتزمة بدفع شراكة تنسيق استراتيجية شاملة مع روسيا). وهذا ما أكد عليه المسؤولون الصينيون مرات عدة منذ الغزو، وهو يلغي فعلياً أي احتمال أن تكون الصين وسيطاً جاداً في أوكرانيا. وفي أي حال، قد تمتلك بكين نفوذاً على روسيا، لكن ليست لديها نية لاستخدامه للضغط من أجل السلام.

ومن المثير للاهتمام أن البيان المشترك لعام 2023 يؤكد الصيغة القائلة بأن العلاقات الصينية – الروسية في (أعلى مستوياتها التي عرفها التاريخ). وركز البيان المشترك الأخير، تماماً كما في شباط/فبراير 2022، بشدة على العمل معاً لإعادة تشكيل النظام العالمي باتجاه (تعدد الأقطاب) والابتعاد عن (الهيمنة)، وهو في الأساس دعوة الى إضعاف القيادة الأميركية العالمية. وأيدت الصين وروسيا إطارهما الفريد (للديموقراطية) و(حقوق الانسان)، مما يسمح للحكومات بتحديد هذه المفاهيم لنفسها (وبالتالي تجنب أي انتقاد لانتهاكات حقوق الانسان أو الحكم الاستبدادي). وخوفاً من احتمال تغيير النظام في الداخل أو في الخارج قريباً، اتفقت الصين وروسيا على عقد اجتماع سنوي لوزراء الأمن العام والشؤون الداخلية، بهدف واضح هو (منع) الثورات الملونة.

كما تخطط الصين وروسيا لتوسيع تعاونهما الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمار والتجارة. وعلى الرغم من أن التعاون في مجال الطاقة لا يزال الركيزة الأساسية لعلاقاتهما الاقتصادية، هناك إشارات على توسيع التعاون ليشمل القطاعين الزراعي والمالي. وشددتا على وجه التحديد على ضمان التعاون في مجالات التعدين والموارد المعدنية والأسمدة والزراعة (لضمان الحماية الغذائية). كما تعهدتا بتحسين الخدمات اللوجستية عبر الحدود. وأصبحت التجارة الداخلية الروسية أكثر أهمية بالنسبة الى روسيا حيث تواجه عقوبات صارمة من الغرب، والصين حريصة على اغتنام الفرصة لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمارية على المدى الطويل.

وينتهي البيان المشترك للدولتين بمناقشة مطولة للقضايا الساخنة على الساحة العالمية، بدءاً من (الأزمة)، وليس (الحرب) كما بات معلوماً في البيانات الصينية أو الروسية، في ما يتعلق بأوكرانيا. وقال البيان إن روسيا (ترحب باستعداد الصين للعب دور نشط في حل الأزمة الأوكرانية من خلال الوسائل السياسية والديبلوماسية) وهو ما برز أيضاً في القراءات المنفصلة لاجتماعات شي مع بوتين. وهذه ليست بأي حال من الأحوال خطوة جادة نحو السلام.

بهذا المعنى، لم يتغير موقف الصين من أوكرانيا بصورة ملموسة منذ بداية الحرب. لكن الجدير بالذكر أن الموضوع أصبح الآن جزءاً رئيساً من البيانات العامة التي أعقبت الاجتماعات الصينية الروسية. وعلى عكس الاجتماع السابق مع بوتين حيث لم يذكر شي حتى أوكرانيا، وبدلاً من تجاهل الأزمة، تحاول الصين عرض نفسها كصانعة سلام.

ومع ذلك، سيكون من الأصعب بكثير على الصين تكرار الاتفاق الناجح بين إيران والسعودية من خلال التوسط بين روسيا وأوكرانيا. فالصين لا تمتلك أصلاً نفوذاً مشابهاً في الملف الأوكراني، بينما تتمتع كييف بدعم القوى الغربية في الوقت الحالي. وفي الواقع، لم يتحدث شي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ الغزو الروسي، على الرغم من وجود الكثير من التكهنات حول أول مكالمة هاتفية لمتابعة رحلة شي إلى روسيا.

أضف إلى ذلك أن الصين بعيدة عن استثمار أي نفوذ في علاقتها مع روسيا وقد قالها شي نفسه صراحة مشدداً على أن (تعزيز العلاقات الصينية الروسية وتطويرها بصورة جيدة هو قرار الصين الاستراتيجي، بناءً على مصالحها الأساسية والاتجاهات الأكبر للتنمية العالمية). كما أوضح أن روسيا تحتل (مكانة رائدة) في الديبلوماسية الصينية، وأن الاتجاه العام لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا لم يتزعزع البتة”.

شارك المقال