الانتخابات البلدية صعبة… ومستحيلة!

هيام طوق
هيام طوق

كما كل الاستحقاقات الدستورية، تبدو الانتخابات البلدية والاختيارية في مهب ريح التأجيل، اذ أن الولاية الممددة للمجالس البلدية تنتهي في 31 أيار 2023، ويفرض القانون تنظيم الانتخابات قبل ذلك التاريخ خصوصاً أن السلطات المحلية تقوم بدور مضاعف في ظل الظروف الصعبة من خلال حصولها على دعم من المؤسسات الدولية، مع العلم أن هناك وفق “الدولية للمعلومات”، 1057 بلدية في لبنان، 108 منها منحلة يديرها القائمقام أو المحافظ، و28 بلدية مستحدثة أنشئت بعد العام 2016، وأيضاً يديرها القائمقام أو المحافظ. وكما يضغط المجتمع الدولي لانتخاب رئيس للجمهورية كذلك يضغط في اتجاه اتمام الاستحقاق البلدي والاختياري في موعده.

وفي وقت يؤكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي جهوزية الوزارة لوجستياً، من المتوقع أن يدعو في مطلع نيسان المقبل، الهيئات الناخبة، وفتح باب الترشيحات، وتجهيز كل ما يلزم سواء تفاهم السياسيون على آلية التمويل أو استمر الكباش بينهم، ليبعد عنه أي مسؤولية في تأجيل الانتخابات للمرة الثانية بعد أن تأجلت العام الماضي على اعتبار أنها تتزامن مع الانتخابات النيابية.

وستنظم الانتخابات على أربع مراحل بحيث تجري كل نهار أحد في واحدة من المحافظات أي في 7 و14 و21 و28 أيار على أن تبدأ شمالاً. وأُدرج بند تمويل الانتخابات بمبلغ 8 ملايين و900 ألف دولار على جدول أعمال احدى جلسات مجلس الوزراء، لكن تأجل البت به، في حين ترفض جهات سياسية انعقاد مجلس النواب للتشريع في ظل الشغور الرئاسي لأن الانتخابات تتطلب جلسة لإقرار الموازنة العامة، ومن ضمنها نفقات الانتخابات.

وفي جلسة اللجان النيابية المشتركة الأخيرة، وأثناء مناقشة تمويل الانتخابات البلدية، ظهر جلياً الانقسام الحاصل حول تمويلها، اذ طرح رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل أكثر من احتمال لكيفية تأمين الأموال من دون الحاجة الى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب، مثل “امكان التمويل من الهيئة العليا للإغاثة أو من مصرف لبنان”، و”امكان استعمال أموال السحب الخاصة SDR التي تستعمل لأغراض متعددة”. وهنا تدخل النائب علي حسن خليل، ليقول: “ان أحد رؤساء الأحزاب يريد مخالفة الدستور ويطلب من مجلس الوزراء مخالفة الدستور”، وحصل ما حصل من نقاش حاد بين النائبين.

وسط هذه الأجواء المتشنجة، والانقسام حول كيفية تمويل الانتخابات ودستوريته، يتساءل اللبنانيون إن كانت ستجري الانتخابات في أيار المقبل أو تتأجل للمرة الثانية مع العلم أن معظم الأحزاب والقوى السياسية تستعد، وتعمل على أساس أن الاستحقاق سيجري في مواعيده؟

أكد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أن “كل القوى السياسية على اختلافها ليست لديها الرغبة أو الارادة في اجراء الانتخابات حتى القوى التي تعتبر أن لديها شعبية ويمكن أن تحقق الفوز، تحاول التهرب من هذا الاستحقاق لأنه بلدي وأهلي وليس سياسياً. اذا كان هناك من حزب معين لديه شعبية كبيرة في منطقة معينة، حين يدخل في الانتخابات البلدية حيث يتنافس الأهل والأقارب مع بعضهم البعض، يصبح في موقف حرج. اذا دعم هذا المرشح سيربح على حساب الخاسر، وبالتالي، يصبح في موقف حرج خصوصاً أن كل المرشحين يؤيدونه. وبالتالي، أي موقف يمكن أن يتخذه أي حزب سيضعف من شعبيته، لذلك تفضل الأحزاب التهرب من هذا الاستحقاق. وخير دليل على ذلك، الانتخابات التي حصلت سنة 1963 وانتهت الولاية سنة 1967 بحيث حينها كانت ولاية البلدية 4 سنوات، فتأجلت الانتخابات على الرغم من أن الوضع كان جيداً والأموال موجودة. مع العلم أن الانتخابات النيابية حصلت سنة 1968 و1972 لكن استمرت المجالس البلدية على حالها حتى سنة 1998 حين جرت الانتخابات النيابية سنة 1992 وسنة 1996 ولم تتم الانتخابات البلدية الا سنة 1998. ”

وشدد على أن “القوى السياسية تتهرب من الانتخابات البلدية، والذريعة كانت في السنة الفائتة أنها تتزامن والانتخابات النيابية. اما اليوم، فالذريعة التمويل والموظفون. حين كانت الظروف طبيعية مئة في المئة كانوا يحاولون تجنب الاستحقاق، واليوم هناك الكثير من الذرائع وبالتالي، هناك استبعاد لاجراء الانتخابات”.

وقال شمس الدين: “في حال لم تجرَ الانتخابات ولم يصدر قانون بتمديد المجالس البلدية والاختيارية قبل 31 – 5 – 2023، هناك وجهة نظر تقول ان البلد سيدخل في شلل كبير، وتصبح البلديات منحلة، ويتولاها القائمقامزن والمحافظون، ويتوقف المخاتير عن القيام بواجباتهم في حين أن السوابق التي شهدها لبنان من سنة 1963 الى سنة 1998 تشير الى أنه عند انتهاء الولاية قد لا يصدر قانون فوراً بالتمديد انما بعد شهر أو شهرين أو أكثر بمفعول رجعي. وبالتالي، ابتداء من 1 حزيران اذا لم يقر قانون التمديد، تستمر البلديات والمجالس والمخاتير في عملها، ويصدر قانون لاحقاً بمفعول رجعي خلافاً لما يقوله البعض”.

ورأى أن “من يطالب بإجراء الانتخابات، يستفيد من رفض الآخرين كي يزايد. انها حفلة مزايدات. كل القوى لا تريد الانتخابات”، متسائلاً: “طالما الانتخابات البلدية تزامنت مع الانتخابات النيابية في أيار الماضي، فلماذا لم تحصل لاحقاً في أيلول على سبيل المثال، وتم تمديدها سنة؟ الانتخابات لن تحصل وكل الأمور تستمر بشكلها الاعتيادي”.

أما الخبير الدستوري سعيد مالك فقال: “من الواضح أن هناك 3 عقبات أساسية تعترض اجراء الانتخابات البلدية. أولاً، ما يتعلق بالتمويل الانتخابي أي ربط الاعتمادات بإجراء الانتخابات، وهذا الأمر لن يمر في مجلس النواب نظراً الى عدم امكان عقد جلسة تشريعية مع وجود شريحة كبيرة من النواب تعارض عقدها لا سيما وأن المجلس النيابي الحالي هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعية عملاً بنص المادة 75 من الدستور. اليوم، تأمين التمويل اللازم لهذه الانتخابات يقتضي أن يأتي من خلال مجلس الوزراء اما عن طريق هبة يصار الى قبولها بمرسوم يصدر عن الحكومة أو عبر سحب أموال من حقوق السحب الخاصة SDR الموجودة في تصرف الحكومة علماً أنه سبق للحكومة أن ذهبت في هذا الاتجاه، واستعملت حقوق السحب الخاصة في أكثر من مناسبة ولأكثر من حاجة منها تأمين الفيول ودعم القمح وتأمين جوازات السفر ونفقات انجازها. وهذا السحب لا يشكل أبداً خروجاً عن القانون”.

أضاف: “اليوم بالامكان الذهاب نحو التصرف ببعض من حقوق السحب الخاصة لا سيما وأن الاعتمادات المطلوبة لا تتجاوز الـ 8 ملايين دولار. واذا صفت النوايا، يتم ذلك من خلال جلسة حكومية من دون الحاجة الى العودة لمجلس النواب. لكن أن يصار الى رمي التهم بعدم امكان السحب بهدف العرقلة أصبح أمراً آخر. اما العقبة الثانية، فتتعلق بالجهاز البشري الواجب أن يتأمن من قضاة وموظفين وأساتذة ورؤساء أقلام ومعاونيهم، وهذا بحاجة الى جهد من وزير الداخلية مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين لتذليل هذه العقبة. والعقبة الثالثة لوجستية، وتتعلق بكيفية انجاز المعاملات والأوراق والمستندات المطلوبة لكل مرشح خصوصاً أن هناك أكثر من 1057 بلدية أي ما يقارب الـ 10 آلاف عضو بلدي يمكن أن ينتخب أي ما يوازي 100 ألف مرشح. وبالتالي، يفترض تجييش القطاعات كافة من أجل تسهيل أمر تقديم طلبات الترشيح حتى يتمكن من يرغب في المشاركة ترشيحاً من أن يؤمن مستنداته اللازمة ضمن المهل المحددة قانوناً”. ورأى أن “هناك صعوبة كبيرة إن لم نقل استحالة في إجراء الانتخابات، لكن هذه مسؤولية الحكومة ووزير الداخلية تحديداً”.

وشدد على أن “هناك مبادئ دستورية يجب احترامها خصوصاً مبدأ المداورة وتداول السلطة ووجوب التقيد بعمر الوكالة المعطاة من الشعب الى ممثليه. كلها قواعد ومبادئ دستورية لا يمكن تخطيها، وهي صادرة بأحكام عن المجلس الدستوري”، لافتاً الى أنه “لا يمكن التمديد للمجالس البلدية الا في جلسة لمجلس النواب أي بقانون، لكن في حال عدم امكان اصدار قانون ربما تستمر البلديات بقرار حكومي أو بقرار من وزير الداخلية من أجل الاستمرار في تصريف الأعمال عملاً بمبدأ استمرارية عمل المؤسسات، وهذه القرارات معرضة للطعن أمام المراجع الادارية المختصة”.

شارك المقال