الحكومة الانتقالية ضرب للدستور… والبلد لا يحتمل إنقلاباً عسكرياً

آية المصري
آية المصري

في ضوء دوامة الشغور الرئاسي المهيمنة على اللبنانيين وغياب أي تسوية داخلية أو خارجية حقيقية تبعث بكلمة السرّ وتنهي الفراغ القاتل، برزت الى الواجهة مجدداً أحاديث ومطالبات مفادها بأن الحل للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد هو باعتكاف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزرائه، وبتسلم الجيش اللبناني ادارة جميع المؤسسات الرسمية، وهذه الحجة تفاقمت مع اعلان وزير الاتصالات جوني القرم عن امكان تسلم الجيش قطاع “أوجيرو” في حال استمر اضراب موظفيه.

وبذلك، يكون هناك جزء من اللبنانيين والمسؤولين غير المسؤولين يريد اضاعة البوصلة وعدم انهاء الفراغ ويرغب في أن يشكل قائد الجيش جوزيف عون حكومة عسكرية انتقالية لديها صلاحيات تشريعية لمدة ستة أشهر، متناسياً ما حلّ بنا في عهد الرئيس السابق أمين الجميل وحكومة ميشال عون العسكرية والأزمات التي واجهت البلد في عهدها.

فلماذا المطالبة بحكومة إنتقالية في هذا التوقيت تحديداً خصوصاً وأن هناك حكومة تصريف أعمال ورئيسها الحاكم الفعلي للبلاد طالما الشغور الرئاسي لا يزال موجوداً؟ ولماذا كل هذا التهجم على موقع الرئاسة الثالثة والرئيس ميقاتي؟ وهل يجوز دستورياً تشكيل حكومة عسكرية في ظل الفراغ في قصر بعبدا ووجود حكومة أصيلة؟

ضربة مباشرة للطائف

في هذا السياق، أشارت مصادر قريبة من عمل السراي الحكومي في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “طرح الحكومة العسكرية يعيدنا الى ما قبل العام 1990 في وقت نحن بحاجة الى الانطلاق الى الأمام وليس الى الوراء، وطروح كهذه ضربة مباشرة لاتفاق الطائف، ولا تختلف إطلاقاً عن طروح التقسيم والفديرالية التي لا تتوافق مع الدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب”، معتبرةً أن “لبنان لا يعيش حرباً عسكرية بل يعيش طائفية مقيتة وتعطيلاً للمؤسسات وأزمة إقتصادية، والحل بالعودة الى الدستور والى وضع لبنان أولوية على كل المصالح الخاصة”.

ميقاتي لن يعتكف

من جهتها، أوضحت مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي أن “لا طرح حتى هذه اللحظة باتجاه الحكومة العسكرية الانتقالية بصورة فعلية، وحكومة تصريف الأعمال مستمرة في أداء واجبها على المدى المنظور، والرئيس ميقاتي لن يعتكف وسيستمر في مهامه كرئيس لهذه الحكومة طالما أن هذا الأمر يفيد مصلحة البلاد”، لافتةً الى أن “الأمور الأخرى المطروحة قد تكون بناءً على خلفيات معينة، والاستعانة بقدرة الجيش أمرٌ وارد وسبق أن ساعد في توزيع الحصص الغذائية بالاضافة الى مساعداته في المواضيع الاجتماعية، وبالتالي من البديهي الاستعانة بخبراته في قطاعات معينة”.

حرب: الديموقراطية أساس نظامنا

وأكد الوزير السابق بطرس حرب أن “تشكيل الحكومة بحاجة الى أصول معينة ويفترض أن يكون هناك رئيس جمهورية على الأقل واستشارات نيابية قبل عملية التشكيل، وفي ظل غياب رئيس للجمهورية لا يمكن أن تتشكل أي حكومة، وبالتالي في حال كان مطروحاً بصورة غير دستورية قيام حكومة عسكرية وتشكيل نوع من الانقلاب على السلطة يكون هذا موضوعاً آخر”. وقال: “من زاوية حرصي الكامل على الديموقراطية التي تعد أساس نظامنا ووجودنا السياسي موقفي سلبي مطلق من هذا الطرح، وأستغرب طرح مثل هذا الحل لأنه بغض النظر عن شخص قائد الجيش جوزيف عون المحترم ومواقفه الجيدة الا أن وصول سلطة الى الحكم بصورة مخالفة للدستور أمر لا يمكن الموافقة عليه”.

وشدد حرب على أن “ليس هناك ما يدعى بمجلس انتقالي بل مجلس نيابي والحكومة الموجودة معتبرةً مستقيلة ولا امكان لاستبدالها وفقاً للأصول الدستورية المحددة، ولا يمكننا خلق أصول الا في حال أراد البعض الترويج لفكرة الانقلاب العسكري وهو أمر مستغرب في لبنان حيث لا امكان لمثل هذه الانقلابات العسكرية، والدليل على ذلك أنه في كل المنطقة الأنظمة التابعة لها قامت بانقلابات عسكرية باستثناء لبنان لأنه بلد قائم على التعددية الاجتماعية والطائفية والمذهبية والحرية ولا يحتمل عملية انقلاب عسكري”.

الفرزلي: إضاعة البوصلة

أما نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي فتساءل: “من سيؤلف الحكومة العسكرية الانتقالية؟ هل نحن نتحدث عن عملية إنقلابية وعن تعليق للدستور؟ ومن يملك صلاحية تكليف هذه الحكومة؟”، قائلاً: “هناك إضاعة للبوصلة في قضية انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة التسمية وبالتالي لا يصبح هناك اتفاق على الاسم، فليتوافقوا على المهام الموكلة للرئيس ولينتخبوه”.

وأشار الفرزلي الى أن “هذا المطلب إلزامي وإجباري وفي حال أردنا إستمرار عمل المرافق ومنع تعطلها بالاضافة الى منع توقف قطاعات الانترنت والخلوي من البديهي أن يبحثوا عن قطاع آخر يحل مكان أوجيرو بحيث يطلبون من الجيش اللبناني تأمين عناصر تحل مكان الموظفين المستمرين في إضرابهم”.

اذاً، الحديث عن حكومة عسكرية انتقالية أمرٌ مرفوض دستورياً، وبات من الواضح أن هناك فئة تريد السيطرة على لبنان والقيام بإنقلاب عسكري على حكومة تصريف الأعمال لأن لديها مشكلات شخصية وعنصرية مع رئيسها، لا سيما أن زمن الأحقاد لدى هذه الفئة لم ينتهِ بعد وتريد الاستمرار في ضرب اتفاق الطائف والدستور تحديداً بعدما ظهرت نيتها الجدية في تقسيم البلاد.

شارك المقال