اطلاق الصواريخ من الجنوب… رسائل للداخل والخارج

هيام طوق
هيام طوق

بينما كانت الأنظار متجهة بالأمس نحو العاصمة الصينية لمتابعة مجريات اللقاء الذي عقد بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره الايراني حسين أمير عبد اللهيان، ووقعا خلاله بياناً مشتركاً بشأن تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه البلدان قبل نحو شهر، لاستئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، عادت وانحرفت نحو الجنوب اللبناني بعد التصعيد المفاجئ على الحدود مع اسرائيل حيث أطلقت صواريخ عدة من لبنان باتجاهها فردت بدورها بغارات جوية، وقصف بالمدفعية الثّقيلة مناطق حدودية.

في هذا الوقت، نجحت الاتصالات على أعلى المستويات المحلية والدولية في منع الانزلاق الى الأسوأ كما تدخلت قوات “اليونيفيل” لتهدئة الوضع، ولفتت في بيان الى أن “رئيس بعثتها وقائدها العام اللواء أرولدو لازارو يجري اتصالات مع السلطات على جانبي الخط الأزرق، وآليات الاتصال والتنسيق لدينا منخرطة بصورة كاملة من أجل التهدئة مع العلم أن الجانبين لا يريدان الحرب”. في حين كان بيان للجيش الاسرائيلي أكد أنه “لن يسمح لمنظمة حماس بالعمل انطلاقاً من لبنان، ويعتبر دولة لبنان مسؤولة عن كل النيران من أراضيها‏”، معلناً “انتهاء هجماته في لبنان”.

إذاً، ربما يكون خطر الانزلاق الى التصعيد أو الى الحرب قد انخفض منسوبه اليوم خصوصاً بعد توقف القصف الاسرائيلي، وعادت الحركة في الجنوب الى طبيعتها، لكن وفق كثيرين، فإن ما جرى ليس بسيطاً لا بل خطير جداً، وحوّل لبنان مجدداً الى صندوق بريد. وعلى الرغم من عدم اعلان أي جهة مسؤوليتها عن اطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، اذ أن مصادر أمنية أشارت الى أن لا علاقة لـ “حزب الله” بذلك، فيما أكد أحد مسؤولي “فتح”، أن “لا علاقة للفصائل الفلسطينية الكبرى بإطلاق الصواريخ التي أطلقت من نقاط بعيدة من مخيمات اللاجئين في الجنوب”، الا أن أصابع الاتهام اتجهت الى حركة “حماس”، رداً على اقتحام القوات الاسرائيلية المسجد الأقصى في القدس، وعلى القصف الاسرائيلي على غزة، حتى أن البعض ربط تزامن وصول رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية الى بيروت بإطلاق الصواريخ من الجنوب.

على أي حال، فإن اطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل، يدفع الى التساؤل: ما الهدف الفعلي خلف هذا التصعيد؟ ومن هي الجهة القادرة والتي تسمح لنفسها بهز الاستقرار متى تشاء، وربما تجر البلد الى حرب في هذا الوقت الدقيق والحساس، متجاوزة الجيش اللبناني؟ وما هي الرسائل منها؟ وهل هي “بروفة” لعملية عسكرية أكبر؟ 

الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ أشار الى أن “من الواضح جداً أن جنوب لبنان، وعلى الرغم مما ورد في اتفاق الطائف من نزع للسلاح غير الشرعي، وما ورد في القرارات الدولية 1559 و1701 لا يزال يستخدم ساحة لتوجيه الرسائل الاقليمية، ويصبح رهينة في يد السلاح غير الشرعي. ومن الواضح أيضاً أن الرسالة المؤسسة لهذه الصواريخ التي أطلقت، واستدعت رد فعل من العدو الاسرائيلي، هي أن هناك حلفاً موضوعياً يجمع بين المتطرفين في المنطقة، وهم يقدمون خدمة لبعضهم البعض لتعويم نفوذهم إن كان في اسرائيل من خلال حكومة بنيامين نتنياهو، أو في فلسطين من خلال حماس، أو في لبنان من خلال حزب الله. هذا الحلف الموضوعي على الرغم من التناقضات والمواجهة العسكرية الأمنية بين مكوناته، يؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وادخالها في دوامة عنف، والمستفيد الأكيد من ذلك، هو من يحاول تحسين موقعه التفاوضي مع المجتمع الدولي، والحديث عن الجمهورية الاسلامية الايرانية. وهذا ما يؤشر الى غياب أي ضمانات بعد الاتفاق الذي رعته الصين بين المملكة العربية السعودية وايران خصوصاً في ما يعنى باستخدام عواصم عربية لأغراض لا علاقة لها بالمصلحة العربية العليا أو بالأمن القومي العربي”.

ورأى أن “علينا أن ننتظر التحقيقات لمعرفة من أطلق الصواريخ، لكن عملانياً، نحن أمام مأزق كبير اذ أن خرق القرار 1701 بإطلاق هذه الصواريخ، والذي سبقه خرق اسرائيلي بصورة مستمرة للأجواء اللبنانية، شديد الخطورة، ويشي بأن هناك ثغرات كبرى على المستوى العملي الميداني في بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، ولا تزال قائمة حتى في ظل وجود قوات اليونيفيل. وبالتالي، يجب اعادة طرح مسألة السلاح غير الشرعي بدءاً بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وأيضاً داخلها اذ أن من الواضح أن غرفة عمليات واحدة تدير هذا السلاح، وهو خارج أي سلطة للدولة اللبنانية، ما سيعرض الشعب اللبناني لمخاطر جمّة مدمرة”. 

ولفت الصائغ الى “أننا أمام مرحلة شديدة التعقيد، وعلى الرغم من أننا أمام رد موضعي من العدو الاسرائيلي، لكن مغامرات مماثلة، تودي بنا الى منزلقات كارثية. وفي ظل الصمت المدوي لتحالف المافيا الميليشيا في لبنان، من الواضح أن المرحلة المقبلة، وانطلاقاً من خطورة ما جرى، تعكس انفلاتاً كاملاً لقدرة ما تبقى من شكل للدولة اللبنانية على اعلاء بطاقة حمراء لوقف مغامرات انتحارية مماثلة من فرقاء لبنانيين وغير لبنانيين يخدمون أجندات ما وراء الحدود”.

وأكد مدير “المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات” حسان قطب أن “إطلاق الصواريخ بالشكل جاء رداً على التصعيد الاسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، وفي المضمون، تزامن التوقيت مع البيان الذي صدر من بكين عقب اللقاء بين وزيري خارجية المملكة العربية السعودية وايران، وتضمن مواقف ايجابية. وبالتالي، اطلاق الصواريخ للقول ان هذا التقارب لن يغيّر من دور أدوات ايران في لبنان والمنطقة”، معتبراً أن “الاشارة غير المباشرة وبصورة غير مسبوقة، من مصادر قريبة من حزب الله لمسؤولين لبنانيين ودوليين الى أن الصواريخ التي أطلقت هي من فعل فصيل فلسطيني قد يكون حركة حماس، الهدف منها توجيه رسالة الى الخارج بأن لبنان لا يزال ساحة مهيأة بل وجاهزة للانفجار في أي لحظة بالتعاون والتنسيق مع جبهة غزة”.

وقال: “الصواريخ، توجيه رسالة الى الداخل اللبناني من حزب الله ومحور طهران بأن عدم الرضوخ الى مطالب ايران وحزب الله بانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيساً، قد يقود الى فلتان أمني وعودة الوجود الفلسطيني الى ساحة الجنوب، وهذا ما قد يثير قلق الداخل اللبناني”.

وأوضح أن “عدد الصواريخ التي أطلقت، يتجاوز قدرة أي فصيل فلسطيني لوجيستياً وعسكرياً سواء حماس أو غيرها من الفصائل الصغيرة على اطلاق هذا العدد من الصواريخ من دون تعاون أو رعاية من قوى لبنانية محلية، أو ملاحظة هذا الحراك من القوى والأجهزة الأمنية اللبنانية المعنية بضبط الأمن والاستقرار في جنوب لبنان”، لافتاً الى أن “اختيار سهل القليلة جنوب صور والملاصق لمخيم الرشيدية، كان لاعطاء انطباع حقيقي بأن فصيل فلسطين هو من أطلق الصواريخ. ولو كان ذلك صحيحاً، فيشكل ادانة لعجز الأجهزة الأمنية اللبنانية عن ضبط الفوضى الأمنية وتعريض الأمن اللبناني لمخاطر الدخول في حرب مفتوحة غير مدروسة أو وخيمة العواقب”.

أضاف: “تزامن اطلاق الصواريخ مع الزيارة التي يقوم بها هنية الى لبنان في اشارة الى أنها تهدف الى تعزيز التقارب والتعاون والتنسيق مع حزب الله والنظام السوري، وهذا ما كان يروّج له اعلام الحزب طوال أشهر”.

شارك المقال