هل ينسحب الشغور الرئاسي على الانتخابات البلدية؟

زياد سامي عيتاني

على الرغم من تحديد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي مواعيد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بدءاً من السابع من أيار المقبل، مع انتهاء الولاية “الممدّدة” للمجالس البلدية في 31 من الشهر نفسه، فإن ذلك لا يعني حتمية إنجازها نظراً الى العقبات التي تعترضها.

فالبلاد تشهد سباقاً محموماً بين متمسك بقدسية المواعيد الدستورية، ومن يراهن على التأجيل ولا يبدي حماسة لها، خصوصاً مع عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لإنجاز هذا الاستحقاق الديموقراطي المهم للبنانيين. بمعزل عن المعوقات المالية واللوجيستية، فإن المنظومة السياسية التي أفرغت البلديات من وظيفتها الانمائية على الصعيد المحلي، وحوّلتها إلى أذرع خدماتية لمصالحها، ومصدر إنفاق على مشاريع إنتقائية تخدم تلك المصالح، لتعود بالمنفعة على مناصريها (!) حوّلت البلديات منذ عقود إلى ساحات لتكريس نفوذها المحلي في القرى والمدن، عبر الأعضاء المنتخبين، المنتمين اليها، غير مستعدة للمغامرة بهذه الامتيازات النفعية.

إلا أن وزارة الداخلية تعتبر نفسها غير معنية بالأحاديث عن التأجيل، وتؤكد أوساطها أن “الاستعدادات اللوجيستية مكتملة، لاجراء الانتخابات في مواعيدها”. وتتسلح الوزارة بأن ثمة ضغوط يمارسها الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، لاجراء الانتخابات المحلية، علماً أنها وفرت، عبر برنامج الأمم المتحدة الانمائي، نحو ثلاثة ملايين دولار لتأمين لوجيستيات العملية الانتخابية (التكلفة المقدرة لها تبلغ حوالي تسعة ملايين دولار).

وعشية إجتماع اللجان المشتركة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لمناقشة دراسة وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول أعمالها، أبرزها اقتراح القانون الرامي إلى فتح اعتماد من موازنة العام 2022 بقيمة 1500 مليار ليرة، لتغطية نفقات الانتخابات البلدية والاختيارية، عقد الوزير مولوي إجتماعاً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحضور المدير العام للأحوال الشخصية في الوزارة العميد إلياس الخوري، خصص لبحث التحضيرات لهذا الاستحقاق، وكأنه والرئيس ميقاتي أرادا توجيه رسالة واضحة الى الداخل والخارج أن حكومة تصريف الأعمال جاهزة لوجيستياً لاجراء الانتخابات المحلية، في حال تأمين نفقاتها، في محاولة لرمي كرة التأجيل في ملعب الآخرين، لتحمل مسؤولية ذلك، وتحديداً المجلس النيابي، لقناعتهما بأن مختلف القوى السياسية تخشى خوض الاستحقاق، تخوفاً من الخسارة التي من المرجح أن تمنى بها.

وخلافاً للمواقف المعلنة بأن كل القوى السياسية جاهزة وواثقة من خوض غمار الاستحقاق الانتخابي، فإن النوايا في مكان آخر، بحيث أن الحسابات السياسية لقوى السلطة تدفع باتجاه الاطاحة بها، تفادياً للخسارة، جراء التراجع الملحوظ في شعبيتها، بفعل الانهيار الشامل الذي تعيشه البلاد والعباد، وتتحمل تلك القوى مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

إن إجراء الانتخابات في موعدها يتطلب جلسة لمجلس النواب لإقرار الموازنة العامة، ومن ضمنها نفقات الانتخابات، وهو أمر مستبعد حالياً، لتأمين المبلغ المتبقي لتغطية تكلفة إجرائها. لكن، يجب الإقرار، على الرغم من الإنكار، أنه ليست هناك نية لعقد جلسة برلمانية بعد الاشكالات والسجالات وتقاذف المسؤوليات، التي شهدتها جلسة اللجان النيابية أمس.

وفي ظل الشغور الرئاسي، ونظراً الى الخلاف السياسي والدستوري حول ما إذا كان مجلس النواب هيئة ناخبة أم تشريعية، فإن البرلمان قد يتذرع بذلك لإفشال أية جلسة مخصصة لإقرار إعتمادات الانتخابات (علماً أنه سنة 2016 أجريت الانتخابات البلدية، على الرغم من شغور موقع الرئيس، قبل إنتخاب ميشال عون).

يتساءل مصدر قانوني في هذا الاطار مستغرباً: لماذا يرفض البرلمان إصدار مرسوم يجيز تمويل الإنتخابات البلدية من حقوق السحب الخاصة “إس دي آر” (SDR) بقيمة 1.1 مليار دولار، التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي عام 2021، مقابل التذرع بصعوبة توفير هذا التمويل؟ (أنفق من إجمالي المبلغ حتى الآن نحو 700 مليون دولار)!

من خلال وقائع إجتماع اللجان النيابية المشتركة وما تخللها من مواقف، فإن من المرجح أن لا جلسة عامة لمجلس النواب، إلا لمناقشة بند واحد حول الانتخابات البلدية، يتعلق بالتصويت على تأجيلها، والتمديد للمجالس الحالية. فإذا إنقضت المهلة الدستورية لولاية المجالس البلدية والاختيارية من دون إجراء الانتخابات، تعتبر منتهية الولاية، إذا لم يصدر قانون التمديد، وتنتقل صلاحياتها إلى المحافظين والقائمقامين، ما سيفقد السلطة السياسية واحدة من أهم أذرعها، الأمر الذي سيستدعي منها إقرار قانون التمديد، تحت ذريعة “تشريع الضرورة”، و”قوة إستمرار عمل المرفق العام”.

ومع هذا الخيار الحتمي، يضاف عامل جديد إلى عوامل تقويض أسس الدولة ومفاهيمها، وإطباق الشلل على ما تبقى من مؤسساتها، ليخيّم الشغور العام والشامل.

شارك المقال