من 13 نيسان 1975 إلى 13 نيسان 2023… “ما فيش فايدة”

الراجح
الراجح

في لقاء مع الدكتور عبد الرؤوف سنّو، أستاذ في فلسفة التاريخ، وكان عميداً في الجامعة اللبنانية لسنوات، كان حوارنا عن الحرب التي اندلعت في لبنان عام 1975، وهذا ما بقي منه في الذاكرة.

لقد اعتُبِرت حرب لبنان التي اندلعت في 13 نيسان 1975 المختبر التاريخي والاجتماعي والسياسي لتناقضات المجتمع اللبناني التي سبقت التقاتل بسنين. وتجلّت هذه التناقضات في النظام السياسي وما يقدمه من مكاسب وفوائد لطائفة على أخرى؛ وحدثت في إطار صراع داخلي بين اللبنانيين أنفسهم حول المسار التاريخي الذي كان على وطنهم أن يأخذ به في مرحلة تاريخية دقيقة أتت في سياق النزاع العربي – الإسرائيلي وتحوُّل المنظمات الفلسطينية الموجودة على أرضه إلى عامل مؤثر وفاعل في خلق التجاذبات الطائفية بين اللبنانيين، فضلاً عن تعاظم الخلافات بين الأنظمة العربية وتدخّلها مع القوى الاقليمية والدولية في الأزمة اللبنانية.

استناداً إلى ذلك، فإن اختصار أسباب الحرب وحصرها بالوجود العسكري الفلسطيني في لبنان وتدخل المقاومة الفلسطينية في الشأن اللبناني الداخلي وإهمال العامل الخارجي، الاسرائيلي، السوري، العربي، الإقليمي، الدولي، هو مقاربة غير موضوعية للأزمة اللبنانيّة. فعند اندلاع الحرب في لبنان، كان العامل الخارجي بكل ألوانه وأطيافه موجوداً وبقوة على الساحة اللبنانية. أما العامل الداخلي المتمثل في الخلاف حول هوية لبنان وتمسك الموارنة بامتيازاتهم، وبالتالي مطالبة المسلمين بمشاركة أكبر في السلطة، فكان هذا الخلاف مطروحاً كمسألة نزاعية بين اللبنانيين. لكن العامل الفلسطيني تقدم في المرحلة الأولى من الحرب على ما عداه من الاعتبارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى الثقافية، من غير أن يعني هذا أن العوامل المذكورة كانت أقل أهمية.

بناء على ما تقدم، فإن إطلاق صفة حرب لبنان على سنوات 1975 و1990، وليس “الحرب الأهلية اللبنانية” أو “الحرب اللبنانية” أو “حروب الآخرين على أرض لبنان”، هو الأكثر صحة علميّاً وموضوعيًّاً، لأن هذه الحرب لم تكن في كثير من مراحلها صراعاً داخليّاً صرفاً بين اللبنانيّين. لقد استطاع العامل الخارجي الفلسطيني، الاسرائيلي، السوري، العربي، الايراني، الدّولي أن يستغل تناقضات المجتمع اللبناني، وضعف تماسكه، وانعدام سيطرة الدولة عليه والإمساك به، وهشاشة بُناه المؤسساتية والسياسية، للتلاعب بالتوازنات الداخلية في تحقيق مصالحه.

وفي هذا السياق، كان يتم اصطناع وسائل الاضطراب الداخلي أو تغذيته (خلافات سياسية، حملات إعلامية، إغداق الأسلحة والأموال على فرقاء النزاع، رعاية إطلاق النار، أعمال العنف والخطف والقتل، الخ…).

علاوة على خلفياتها ومسبباتها وأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، فقد حملت هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الوطن أكثر من معنى:

  1. طرحت شرعية الكيان اللبناني ومدى ولاء اللبنانيين لهذا الوطن “لبنان”.

  2. كانت صراعاً سياسيّاً واجتماعيّاً وعسكريّاً بين المناطق وبين الطوائف وداخل الطوائف.

  3. كانت مرحلة زمنية سيطرت فيها أنماط جديدة من الثقافة والتفكير المناطقي والطائفي، أنتجت علاقات وقواعد إجتماعية مختلفة عما كان عليه الوضع قبل عام 1975.

  4. تسببت بتعطيل سلطة الدولة وسيادتها وشل مؤسساتها وابتلاع مجتمعها المدني من الميليشيات وقوى الأمر الواقع.

  5. شكلت إطاراً زمنياً ومكانياً لمرحلة تاريخية إجتماعية امتلأت بالتغيير وبالسلبيات أكثر من الايجابيات.

لقد توصل الكثير من الباحثين، عن حق، إلى أن الحرب التي عاشها اللبنانيون واحترقوا بنيرانها تعتبر سنوات مسروقة أو ضائعة من حياة كل فرد منهم، سواء كان طفلاً أم شابّاً أم كهلاً.

إن حالة انتظار إعادة بناء البلد وبناء السلام وعودة الحياة إلى طبيعتها هي في حد ذاتها خسارة للسنين المقبلة من عمر كل لبناني.

أما آن الأوان للتخلص من استحضار الحرب ومن الأحقاد الدفينة في دواخلنا، كما التّخلص من ذكريات أليمة وآثار مريرة وهواجس تبدو أنها لم تخمد في نفوسنا بعد؟

كفى إلقاء التُّهم جزافاً أو نبش الماضي أو إلقاء الضوء على بطولات حقيقية أو زائفة هنا وهناك، وإضفاء صفات الوطنيّة أو الخيانة على هذا وذاك، وتحميل النظام اللبناني مسؤولية ما فعلته أيدينا وأيادي الآخرين.

المطلوب في هذه الذكرى “13 نيسان 1975” قراءة عقليّة واعية لمعرفة جذور الحرب وأسبابها وكيفية نشوئها وتفاعلاتها وتداعياتها ومساراتها وخواتمها، وهو الأهم.

إن استعادة هذه التجربة في ذاكرتنا يجب أن تكون لاستيعاب مسارات الحرب ودروسها وعبرها وعدم طمسها، كي لا يؤدي نسيان ويلاتها وأضرارها إلى تكرارها وإعادة إنتاجها من جديد.

شارك المقال