قرارات نقابة المحامين… والنظام الأمني الجديد

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

وجه النائب التغييري ملحم خلف كتاباً الى نقيب المحامين ومجلس النقابة، اعتبر فيه أن تعديلات المجلس “منعدمة الوجود لأنها متناقضة مع الدستور والاعلان العالمي لحقوق الانسان”.

وكان القرار الذي اتخذه مجلس نقابة محامي بيروت الشهر الماضي وقضى بإلزام المحامي بالحصول على إذن مسبق من نقيب المحامين قبل الادلاء بأي تصريح إعلامي قد أثار الجدل، وتحركت القوى السياسية التغييرية للتضامن مع الناشط الحقوقي المحامي نزار صاغية الذي رفض الامتثال لقرارات النقابة وقال رأيه في مقابلة اذاعية، كما استدعي للمثول أمام مجلس النقابة. ووجهت خلال الأيام الماضية دعوات للتضامن مع صاغية ومحاميين آخرين هما يوسف الخطيب الذي انتقد قرارات النقابة المتعلقة بحقوق المحامين على مواقع التواصل الاجتماعي وحسين رمضان.

فتحت ستار تنظيم المهنة وآدابها كما تدّعي النقابة، يتبين أن الهدف ضرب الحريات الديموقراطية ومعاقبة المحامين وفقاً لقواعد المنظومة السياسية التي تتهرب من المحاسبة وهي المتهمة بالمسؤولية عن تفجير 4 آب والفساد والتهريب والموبقات التي جعلت من لبنان دولة فاشلة، وتسببت بالانهيار المريع الذي نعيش في ظله من دون أي بارقة أمل في تحقيق العدالة مع قضاء مسيس ومهيمن عليه من الطبقة الحاكمة.

لا شك في أن ما يجري على مستوى نقابة المحامين أطلق جرس انذار في المجتمع اللبناني المهدد بالقضاء على حرياته، والخطير أنه يدجن أهم نقابة معنية بالدفاع عن حقوق المواطنين العامة وعن العدالة والديموقراطية وحق التعبير بعيداً عن التبعية والارتهان لمواقف أهل السلطة وحماية المصالح الخاصة.

فقرار كم أفواه المحامين اليوم سيتبعه لاحقاً كم أفواه اللبنانيين ليصبح المجتمع اللبناني لقمة سائغة في فم تنين النظام الأمني القائم تحت ستار شعارات وتوليفات أهل الحكم الذين يتقاسمون السلطة وفقاً لما تمليه عليهم مرجعيات تتهرب من مسؤولياتها ولا تريد أن تنكشف وتجري محاكمتها بعد أن افتضحت جرائمها على كل صعيد أمني وسياسي ومالي واقتصادي وغيره.

لقد خبر اللبنانيون خلال ثورة 17 تشرين وما بعدها ممارسات النظام الأمني اللبناني الذي اتخذ من نظام الوصاية السورية الأمني مثالاً له في القمع والتعذيب وتركيب الملفات وحتى الاغتيالات كما حصل مع الناشط السياسي والكاتب لقمان سليم وملاحقة الصحافيين وتهديدهم، وها هي اليوم تصل الى حد لا يتقبله أي عقل في لبنان الذي عاش أبناؤه على كونه بلد الحريات والديموقراطية لا بلداً مكبلاً بأصفاد الأنظمة الديكتاتورية في محيطه.

نجحت السلطة الحاكمة في تدجين نقابة المحامين اثر فوز أحزابها بانتخابات النقابة في 20 تشرين الثاني 2022، وتسعى الى تدجين كل النقابات في المهن الحرة وقد نجحت في ذلك الى حد بعيد، بعدما كانت سلطة الوصاية قد وضعت النقابات العمالية في جيب أطراف الممانعة.

وأثارت مواقف نقابة المحامين الاستغراب لما لها من دلالة خطيرة على المستقبل القاتم الذي ينتظر اللبنانيين لناحية القضاء على ما تبقى من هذا البلد ومؤسساته الديموقراطية، فالهجمة الشرسة عليه من حكامه لتدمير عيشه ورميه في جهنم لم تتوقف عند تفجيره أو سرقة أمواله أو بيع حدوده، اذ صار موضوع الحريات على رأس الهموم كون المعنيين بالدفاع عن حقوقهم أي المحامون مستهدفين، من خلال عملهم النقابي والتضييق عليهم، لعدم القيام بدورهم كصلة وصل بين النظام والمعارضة وبكون النقابات لاعباً أساسياً في المجتمع وصورة عنه. فما جرى في نقابة المحامين ليس شأناً داخلياً انما هو جزء من الشأن العام لأن الدفاع عن حرية الرأي والتعبير يعني الجميع كما أن نقابة المحامين لم تكن في يوم ما ممسوكة بقرارات مقيدة، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من معارك خاضها اللبنانيون من خلال حريتهم وسيادتهم والتخلص من الاحتلالات والأنظمة الأمنية التي أرادت القضاء على ميزات البلد وضرب دستوره وقوانينه.

لاحقاً، تم التراجع عن القرارات والاستدعاءات، لكن هذه الممارسات أنذرت بأن هناك نظاماً أمنياً بدأ يتشكل ويهدد المجتمع اللبناني، وتعبيراته لا تتجلى في ممارسات الزعامات والسياسيين وأحزاب السلطة وحسب، بل بدأت تطال الآليات الديموقراطية والمعركة هنا ستكون كبيرة لأن من يتخلى عن مصالح الناس والدفاع عنهم سيخضع أيضاً للمحاسبة ولو بعد حين.

من هنا، فان ربط النقابات بمصالح النظام ونفوذ الأحزاب ليس أمراً عادياً اليوم، اذ ليس من مهمة النقابات حماية رجال الأعمال النافذين والموضوعين على لوائح الفساد والمتهمين بالتفجيرات لأن مثل هذه القضايا لا خصوصية فيها، بل هي قضايا عامة تعني كل المجتمع اللبناني الذي لن يقبل العيش في نظام أمني، ولأن مصلحته تقتضي الوقوف مع من يدافع عن القانون والحقوق الأساسية ولا يصبح مطية لهذا او ذاك.

ان حل الأمور في الغرف المغلقة لا يكون مناسباً لقضايا كبيرة تحولت الى قضايا رأي عام تعني المجتمع بأكمله، ومن هنا فان التحجج بأن القضاء يحل الأمور غير مقبول، فالكل يعلم أن القضاء في لبنان مسيّس ولا يعمل وهو أسير حسابات سياسية، والدولة اللبنانية خسرت في الاقتصاد والاجتماع، وخسرت قاعدتها الشعبية وهي اليوم تحاول استعادتها عبر استخدام القمع وتبني نظامها البوليسي علّه يعوض خسائرها، وتستخدم النقابات في حربها ضد الناس لحماية مصالحها، وتوجه البلد نحو حكم استبدادي لن يكون قادراً على احياء النظام الذي يجعل منه حكماً أبدياً.

شارك المقال