الغرب فوّت فرصته لانقاذ السودان!

حسناء بو حرفوش

قبل أربع سنوات من الانهيار في السودان، عوّل العالم على آمال كبيرة بدخول البلاد حقبة جديدة، بعد انتفاضة شعبية سلمية أطاحت بحاكم البلاد منذ فترة طويلة. ولكن الآمال تبخرت وذهبت أدراج الريح، وفقد الغرب فرصته للمساهمة في الاصلاح، وفقاً لمقال في موقع “إندبندنت” الالكتروني.

ووفقاً للمقال، تكمن “أكبر مأساة في أن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 46 مليون نسمة ربما كانت قادرة على تجنب الفوضى والوحشية الحالية، لو أن المجتمع الدولي كان أكثر انخراطاً، أو إذا وضع الجنرالات والعسكريون الذين يقاتلون من أجل السلطة مصلحة بلادهم قبل مصالحهم الخاصة، أو إذا تم تعزيز المؤسسات المدنية في السودان بتقديم القادة المزيد من الدعم من القوى الخارجية.

لكن في منعطف رئيس في مسار البلاد، فشل الغرب أيضاً في السودان، واستغل رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت، دونالد ترامب، الموقف لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به بدلاً من دعم تجربة السودان الديموقراطية الهشة. وبالطبع، لا يمكن اعتبار الغرب المصدر الوحيد أو حتى المسبب الرئيس ليأس السودان، لكنه لعب دوراً في البؤس الحالي للبلاد.

وتكافح الحركة الديموقراطية في السودان منذ سنوات، لكن محاولتها الأخيرة للخروج من عقود من الحكم العسكري بدأت في كانون الثاني 2018، بعد أن أثارت زيادة أسعار الخبز احتجاجات. وتصاعدت المظالم بسرعة وانتشرت الاحتجاجات واندمجت مع موجة ثانية من الاضطرابات، بعد ثماني سنوات من الربيع العربي الذي طبع دولاً مثل الجزائر ولبنان والعراق.

وعلى غرار حركات التغيير الديموقراطي في الدول العربية الأخرى، قاد مهنيون ومثقفون انتفاضة السودان جزئياً، بينهم كثر ممن يناضلون من أجل التغيير من داخل البلاد، بدلاً من المنفى. وعلى عكس دول مثل سوريا أو ليبيا، لم يحمل النشطاء السلاح مطلقاً عندما أجبروا الحاكم القديم عمر البشير على التنحي.

لكن الخبرة السياسية للنشطاء وقادة المجتمع المدني قليلة ولم يتمكنوا من إرساء الديموقراطية أو حتى الحكم المدني الكامل. وأدى اتفاق توسط فيه الاتحاد الأفريقي بعد سقوط البشير في نيسان 2019 الى إنشاء مجلس انتقالي من الشخصيات العسكرية وقادة الاحتجاج كان من المفترض أن يقود في النهاية إلى حكومة مدنية.

لقد كان ترتيباً غير مريح منذ البداية. أُجبر النشطاء وقادة المجتمع المدني على تقاسم السلطة مع البلطجية أنفسهم الذين كانوا يُردون مواطنيهم قتلى في الشوارع قبل أسابيع فقط، والذين كانوا يلقون بهم في السجن بسبب تعبيرهم عن آرائهم منذ عقود.

وحذر العديد من مراقبي السودان من أن أياً من اللواء عبد الفتاح البرهان ولا الفريق محمد حمدان، الذي أشرف على قوة من ميليشيات الجنجويد التي ارتكبت مذابح جماعية في دارفور، يلتزم بالحكم المدني. وسرعان ما أصبح البرهان القوة الحقيقية في البلاد.

وفي الأسابيع التي أعقبت الاطاحة بالبشير وإنشاء المجلس المدني، لم يكن بمقدور أحد أن يتنبأ على وجه اليقين إلى أين تتجه البلاد. كان القلق الأكبر من الاقتصاد الراكد. وكانت الولايات المتحدة قد رفعت العقوبات في العام 2017، لكنها أبقت على تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، الأمر الذي أخاف الشركات التي تسعى الى الاستثمار ومنع تدفق المساعدات من المنظمات الدولية.

في تلك اللحظة الحاسمة، فشلت الولايات المتحدة وبقية قادة العالم في السودان. كان من الممكن أن يمطروا البلاد بالموارد للتخفيف من البؤس الاقتصادي الذي دفع الناس إلى الشوارع، وبالتالي منح المدنيين في الحكومة تشجيعاً. كما كان بإمكان الولايات المتحدة أن تزيل تصنيف الدولة المتعلق بالإرهاب، مما كان سيساعد على استقرار السودان وتمكين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحلفائه، لكنها تأخرت خشية أن يؤدي إلغاء التصنيف الى الاساءة لأقارب ضحايا 11 أيلول.

(…) لقد مرّ 20 شهراً الآن منذ الانتفاضة الشعبية في البلاد. وفي غضون ذلك، تعرض الاقتصاد السوداني لمزيد من الضرر تحت وطأة الجائحة العالمية، واستمرار الفساد وسوء الادارة تحت إشراف الجنرالات وأعوانهم كما تفاقمت السخرية من الديموقراطية. ثم انتهت تجربة السودان الديموقراطية، وبالطبع، يقع اللوم على السودانيين أنفسهم في هذا الفشل. ومع ذلك، لا بد من الاشارة إلى أن الغرب ربما كان قادراً على مساعدة السودان على الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني، وإرساء بعض مظاهر الديموقراطية، لكنه فوّت فرصته للعب هذا الدور”.

شارك المقال