الصين تصعّد حربها السيبرانية ضد الغرب

حسناء بو حرفوش

تبنت الصين على مدى العقود القليلة الماضية، سياسة حرب المعلومات ضد خصومها العالميين من خلال الافادة من قطاعها الالكتروني والميليشيات السيبرانية المدنية، وفقاً لخبراء الأمن السيبراني. ويشمل قطاع الانترنت المدني للحزب الشيوعي الصيني العاملين الالكترونيين الفرديين، والمؤسسات الخاصة والأوساط الأكاديمية والمؤسسات الحكومية. ولا يملك مشغلو القطاع المدني من الناحية العملياتية، مكاناً رسمياً ضمن ترتيب معركة جيش التحرير الشعبي. وهم يتحولون إلى “وكلاء الانترنت والمرتزقة” للنظام الشيوعي، وفقاً لسيمون ليدين، من معهد (Krach) المتخصص بديبلوماسية التكنولوجيا في جامعة Purdue ونائب مساعد وزير الدفاع السابق لمنطقة الشرق الأوسط.

وحسب ما شرح ليدين لموقع “إيبوش” الالكتروني، يقوم هؤلاء الوكلاء بأعمال تجسس وهجمات إلكترونية لجمع معلومات حساسة من الحكومات والشركات والمنظمات الأجنبية، ما يمنح الصين ميزة تنافسية على خصومها. ومن الأمثلة الحديثة الصارخة على مثل هذه العملية سرقة أكثر من 20 مليون دولار من مزايا الاغاثة الأميركية من فيروس كورونا بما في ذلك قروض إدارة الأعمال الصغيرة وصناديق التأمين ضد البطالة في أكثر من اثنتي عشرة ولاية أميركية العام الماضي من مجموعة من المجرمين الالكترونيين ربط اسمها (APT41) بالحكومة الصينية.

كانت هذه هي الحادثة الأولى لقراصنة صينيين يستهدفون أموالاً للحكومة الأميركية. وحدث ذلك على الرغم من هيمنة الولايات المتحدة على الفضاء الالكتروني وقدراتها الهجومية السيبرانية الأكثر تطوراً من أي دولة أخرى – وهو تصنيف حددته ورقة بحثية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العام 2021. وكانت مجموعة APT41 مدرجة في قائمة “المطلوبين” لمكتب التحقيقات الفديرالي منذ العام 2019.

ومن بين ضحايا المجموعة شركات في أستراليا والبرازيل وألمانيا والهند واليابان والسويد. وبحسب مكتب التحقيقات الفديرالي، استهدف المتهمون مزودي خدمات الاتصالات في الولايات المتحدة وأستراليا والصين (التبت) وتشيلي والهند وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند.

كما اعتبرت شركة FireEye للأمن السيبراني، في تقرير شامل عن APT41 أن المجموعة تقوم بعمليات تجسس برعاية الدولة الصينية بالتوازي مع عملياتها ذات الدوافع المالية. كما ذكر التقرير أن “تجسس APT41 يتوافق عموماً مع خطط التنمية الاقتصادية الخمسية للصين”. وتستهدف مجموعة قرصنة صينية أخرى مزعومة، المعروفة باسم UNC1945، قطاع الاتصالات العالمي منذ العام 2016. وذكر تقرير آخر صدر في العام 2021، أن طبيعة البيانات التي جمعها المتسللون “تتوافق مع المعلومات التي يحتمل أن تكون ذات أهمية كبيرة للعمليات الاستخباراتية”.

وعلى الرغم من عدم كفاية الأدلة التي تربط بين هذه العمليات والدولة الصينية، أشارت معظم وسائل الاعلام الرقمية إلى الأصل الصيني لـUNC1945 وسلطت الضوء على أنشطتها الأخرى. وتزداد هذه العمليات السيبرانية تطوراً، بحيث تستهدف 25% من أنشطة القرصنة الشاملة في الصين، الولايات المتحدة وحدها، وفقاً لتقرير نشرته شبكة “إن بي سي” قبل شهرين. ووجد تحقيق سابق أجرته شركة Crowd Strike أن الصين كانت مسؤولة عن ثلثي إجمالي الهجمات التي ترعاها الدولة على مستوى العالم. كما يخلص بحث إلى أن الصين على وشك الانضمام إلى الولايات المتحدة لناحية امتلاك قدرات إلكترونية رائدة على مستوى العالم.

شراكة مدنية – عسكرية

يعتبر الخبراء أن إحدى السمات المميزة لاستراتيجية الصين الالكترونية هي الدرجة التي تدمج بها اقتصادها المدني في نهجها في مجال المعلومات، بحيث ينسق جيش التحرير الشعبي مختلف مكونات مجال المعلومات مع أجزاء من الاقتصاد المدني لاستخدامه لمضاعفة القوة. ومع ذلك، تتوخى الصين الحفاظ على المسافة بينها وبين المهاجمين السيبرانيين، بحيث تساعدها الجهات الفاعلة السيبرانية غير الحكومية على “الحفاظ على مستوى معقول من الإنكار”. وبالنسبة الى الحزب الشيوعي الصيني، الذي يعمل باستمرار لمواجهة النظام العالمي الليبرالي، فإن رواية “حرب الشعب” هي جزء من أيديولوجيته الشيوعية. قال الخبراء إن ما لوحظ في عهد ماو يتكرر اليوم في المجال السيبراني ضد الديموقراطيات.

بدوره، حذر البيت الأبيض من أن عدم استعداد بكين للتصدي للنشاط الاجرامي من المتسللين المتعاقدين يضر بالحكومات والشركات ومشغلي البنية التحتية الحيوية من خلال مليارات الدولارات من الملكية الفكرية المفقودة ومعلومات الملكية ودفعات الفدية وسواها. وتثير هذه العمليات مخاوف، خصوصاً بالنسبة الى المنافسين الاستراتيجيين للصين في الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. كما يُنظر إلى الأنشطة الالكترونية للصين على أنها جزء من استراتيجيتها الأوسع لتوسيع نفوذها وقوتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وما وراءها.

أما ما يمثل ضربة قاسية في هذا السياق من العداء السيبراني العالمي المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها والصين فهي الوتيرة التي نمت بها عمليات الهجوم الالكتروني للأخيرة مقارنةً بخصومها، مثل الولايات المتحدة. وتأتي هذه العمليات نتيجة الاستثمارات المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني في تعزيز قدراته لاستهداف القوى الديموقراطية الرائدة. وبينما يشتكي العالم من الهجمات الالكترونية الصينية، تكرر بكين مزاعم مماثلة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ونظراً الى تزايد حدة الهجمات والهجمات المضادة مع التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تصبح الحرب الالكترونية أكثر فتكاً.

شارك المقال