جيش ماكرون الأوروبي إهانة لواشنطن؟

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي يتسابق فيه مواطنو غالبية الدول على الخروج من العاصمة السودانية الخرطوم، سطر مقال في موقع “تلغراف” نوعاً من التقاعس على مستوى حكومة الاتحاد الأوروبي وموقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بخصوص تشكيل جيش أوروبي.

ووفقاً للمقال، “يشوب هذا الموقف الكثير من الغرابة، لأن الاتحاد الأوروبي يمتلك، بخلاف الناتو، نظرياً مجموعة متنوعة من قوى الاستجابة السريعة المختلفة منذ عقود. وتعود هذه القوة الى العمليات السريعة الأوروبية (والتي تم حلها في العام 2012). ويبدو أن أحدث خطة تتضمن الكثير من الخطأ وهذا ما ينطبق على هذا المنوال، على دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون الشهر الماضي الى تأسيس جيش أوروبي قادر على العمل بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك قوة الرد السريع وقوامها 5 اَلاف فرد.

وللإنصاف، كان ماكرون قد اتصل بالجنرالات السودانيين المتحاربين وتوسط من أجل وقف إطلاق النار، الأمر الذي ساعد كثيراً في جهود الانقاذ الأولية. كما كان يدفع باتجاه سياسة الباب المفتوح لأنه كان من مصلحة الجانبين أن يغادر الأجانب سالمين، لكن هذا الفوز الديبلوماسي لماكرون ليس سوى إنجاز ضئيل.

ومع ذلك، يحتاج ماكرون بالطبع، إلى أي فوز محتمل في هذه الآونة، بالنظر إلى حقيقة أن فرنسا تعيش في الأساس حالة من التمرد حالياً. أما الرافعة التي يستخدمها الرؤساء الفرنسيون تقليدياً في أوقات الأزمات المحلية فهي استهداف الولايات المتحدة أو الناتو. ويمكن رفض دعوات ماكرون الأخيرة الى تشكيل قوة استجابة سريعة من الاتحاد الأوروبي باعتبارها انتقاداً لحلف الناتو، باستثناء أنه يبدو جاداً بشأن محاولته تطوير نوع من القدرات العسكرية المحصورة بالاتحاد الأوروبي.

والحقيقة أن مثل هذه الخطوة لا تشكل اهانة لحلفاء الناتو والولايات المتحدة وحسب، ولكنها تبدو أيضاً خطة فجة للغاية وغير مفيدة، تحديداً في هذه الأوقات العصيبة. ولا شك في أن المدافعين عن ماكرون يشيرون إلى اتفاق Aukus ويجادلون بأن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تبتعدان عن الدفاع عن أوروبا. لكن Aukus هو بالضبط عكس ذلك، ويركز على التهديد الحقيقي الناشئ أي التهديد الصيني.

و لا بد في هذا السياق من التذكير بأن الناتو تأسس في العام 1947، وهو العام نفسه الذي وقفت فيه هيئة الأركان الأميركية المشتركة لمواجهة التهديدات الجديدة في بدايات الحرب الباردة. ويتردد اليوم حديث عن إنشاء مكافئ مدني لهيئة الأركان المشتركة لادارة الادارات المدنية الأميركية بفاعلية وكفاءة ضد التهديد الصيني المتنامي. ويمكن لفرنسا أن تتعلم الكثير من هذا النوع من التفكير!

أضف إلى ذلك أن أي شيء يقوّض تماسك الغرب والناتو هو بمثابة مصدر راحة للزعيم الصيني شي جين بينغ. ويعرف شي أن خصمه الرئيس أي الولايات المتحدة، يجب أن يبني ويقوي شبكة من التحالفات. وبينما ينصب التركيز الحالي على تايوان، يراقب المحللون الاحترام المتواضع الذي يظهره بوتين لشي بدافع الضرورة.

وليس من السابق لأوانه التساؤل عن مستقبل الشرق الأقصى الروسي الذي يتميز بتواجد غالبية عرقية صينية في أجزاء كبيرة منه، إذا انهار نظام موسكو أو أضعف بشدة. وبالنظر إلى نية الزعيم الصيني الواضحة لتوحيد الصين، بما في ذلك تايوان وأماكن أخرى، يأمل المراقبون أن يفكر الأشخاص المناسبون في البنتاغون وفي دول أخرى بهذا الاعتبار.

وفي كل الأحوال، إذا افترضنا أن الحرب الحالية في أوكرانيا ستنتهي بانهيار نظام بوتين، فقد لا ينتهي المطاف بأوكرانيا وحدها الى الانضمام إلى الناتو. قد تطلب روسيا التي أضعفت بشدة، والتي من المحتمل أن تكون حرة وديموقراطية حديثاً في هذا السيناريو المتخيل، الانضمام إلى الناتو أيضاً.

وبغض النظر عن مجرى الأمور في أوكرانيا ومع الصين، لا شك في أن وجود حلف شمال الأطلسي القوي أمر حيوي للغاية لأمن الغرب، وبصراحة لأمن فرنسا. لذلك، يتعين على أعضاء الناتو، لا بل يجب عليهم، تحمل نصيبهم من العبء من خلال دفع 2% من الناتج المحلي الاجمالي للدفاع: تقوم سبع دول فقط من الدول الأعضاء الثلاثين بذلك حالياً، وفرنسا ليست منها. إنه لأمر مخز أن تمثل الولايات المتحدة 70% بالكامل من الإنفاق الدفاعي للتحالف، والأكثر استغراباً هو أن ماكرون يدعو الأعضاء الأوروبيين الى إلزام قواتهم، المتواضعة جداً بالفعل، بهيكل هزيل لن يتعاطى معه أحد بجدية.

كما لا يجب أن ننسى أن الحسابات التي بنى عليها بوتين غزوه لأوكرانيا تقوم على عدم فاعلية الناتو وعدم تماسكه، ومع ذلك أتت الاستجابة المنسقة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية بمثابة صدمة له. ولم يمر هذا الرد بصورة عبثية في بكين أيضاً، بحيث أن أي غزو لتايوان سيشمل عبوراً لمضيق تايوان بطول 180 كيلومتراً: وهو إنجاز مستحيل من دون تفوق بحري وجوي وقصف صاروخي، فضلاً عن العزلة المادية والعسكرية الكاملة لتايوان. ويعوق مجرد وجود الناتو القوي والموحد كل ذلك.

لا بد وأن يفهم الرئيس ماكرون أن التطلع المستمر الى قوة أوروبية غير قابلة للحياة ومستقلة عن الناتو والولايات المتحدة يقوّض بصورة أساسية الدفاع عن الغرب، وحكماً الدفاع عن فرنسا: وهذا يستدعي منه عزل الساحة العالمية عن مشكلاته السياسية الداخلية”.

شارك المقال