هل يلتزم الأسد بتنفيذ العودة الطوعية للاجئين السوريين؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا بد لانجاح خطة الحكومة اللبنانية لاعادة اللاجئين السوريين من متابعة ما صدر عن اجتماع عمان التشاوري في الأردن الذي حضره وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن أمس، اذ اتفقوا وفق بيانهم على أن أولوية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، هي أولوية قصوى واتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً. وحث الوزراء على تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة “لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح”.

لقد شكل ملف اللاجئين السوريين خلال الأيام الماضية موضوعاً خلافياً أوحى بتفجير كبير على المستويين السياسي والأمني، اذ كان لافتاً اثارة الملف والدعوة الى تظاهرتين متضادتين واحدة رافضة لوجود اللاجئين ومطالبة بعودتهم وأخرى داعمة تتهم اللبنانيين بالعنصرية، وتصرفت وزارة الداخلية بمنع التظاهرتين واتخذت حكومة تصريف الأعمال لاحقاً قرارات أهمها أن من يذهب الى سوريا ويعود ليس لاجئاً.

بالتاكيد لا يمكن تجاهل مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان التي جرت أمام أعين الدولة من دون اتخاذ تدابير تضبطها منذ اللحظات الأولى، والتي زاد في تفاقمها ذهاب “حزب الله” الى القتال في سوريا ليحمي نظام بشار الأسد ويخلق له مناطق متجانسة طائفياً، عبر تهجير السنة من مناطقهم والاستيلاء عليها سواء في القصير أو القلمون على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي، حل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان يبدأ من هنا، أي بعودة ميليشيا “حزب الله” الى لبنان وعدم التدخل في الأزمة السورية واعادة الملكيات التي احتلها الى أصحابها بعدما جعل منها مراكز عسكرية أمنية وسجوناً أو مصانع مخدرات في هذه المناطق.

من الواضح أن اثارة موضوع اللاجئين كان لتغطية أمور أخرى تفاقم كوارث الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان، فليس هناك أحد لا يدرك أن سبب تفاقم أزمة اللجوء السوري تعود الى عدم معالجتها من الحكومات اللبنانية والتي عرقل “حزب الله” خططاً لتنظيمها في السابق عن طريق اقامة مخيمات للاجئين على الحدود اللبنانية – السورية، كما جرى في تركيا والأردن مثلاً، لكن حيها مصالح حزب السلاح كانت لا تصب في صالح تنظيم اللجوء وضبطه، بل كان يسعى الى الفوضى لإحكام سيطرته على المعابر والحدود في البداية من أجل حرية حركته العسكرية، ولاحقاً من أجل الهيمنة حتى تتمكن عصاباته وعصابات ماهر الأسد من القيام بعمليات التهريب من دون حسيب أو رقيب.

بالطبع ليس اللاجئ السوري من تسبب بافقار البلد وسرقة أموال المودعين، وليس هو من دمر مؤسسات الدولة وعطل الحياة ومنع انتخاب رئيس الجمهورية ولا أعاق عمل الحكومات أو تنفيذ قراراتها، لذلك لا يمكن تحميله مصائب ما حصل.

تعامل نظام بشار الأسد منذ بداية تحركات الشعب السوري في العام 2011 من أجل الحرية والكرامة بالقمع والقتل وصولاً الى الإقتلاع، وتدخل “حزب الله” فاقم أزمة اللجوء في لبنان، والكل يتذكر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأولى التي شكلها الحزب بمواصفاته بعد الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري، بحيث شهدت تلك المرحلة نسبة عالية من النزوح لم يجرِ تنظيمه أو قراءة مخاطره اللاحقة بتشجيع دولي. ومقابل دفع مساعدات من الأمم المتحدة بقي اللاجئون في لبنان لصعوبة العودة، وقام المجتمع الدولي بما عليه في ابتزاز لبنان عبر التهديد بعدم مساعدته، ويكفي في هذا المجال أن نذكر الدعم الذي كانت تتلقاه وزارة التربية، واليوم يحاول مرشح “حزب الله” لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية تسويق نفسه من بوابة اللاجئين، واعداً بحل مشكلتهم كونه صديق بشار صاحب الحل والربط.

صحيح أنه لا بد اليوم من معالجة قضية اللاجئين، فلبنان مع أزماته المتصاعدة لم يعد يتحمل هذا العبء، الا أن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن معالجة مشكلة اللجوء من دون الأخذ في الاعتبار القوانين الدولية أو تجاهل الحالات الانسانية أو تطبيق القرارات وفقاً لمصالح وأهواء للكسب السياسي في الشارع، فطرق العلاج تتطلب شفافية في التعاطي ومسؤولية في التعامل وسياسة واضحة في السعي نحو حل سياسي في سوريا، والتوجه نحو العرب المنفتحين اليوم على النظام للمطالبة بالسماح بعودة اللاجئين وهو من كان يعيق هذه العملية ولا يقبل بعودتهم.

أزمة اللاجئين حقيقة واقعة وأعدادهم تفوق قدرة لبنان على الاحتمال، ولكن لا يمكن القبول بأن تكون هذه المسألة بوابة لتفجير الوضع واثارة البلبلة والعصبيات والعنف المتبادل، ولا يجوز شيطنة اللاجئين. ومن هنا، لا بد من تنفيذ خطوات للعودة، وتنظيم وجود من يبقى في لبنان وفقاً لقرارات واضحة تسهم فيها البلديات ويمنع حصول تجاوزات قانونية والتصرف بانسانية وليس بالتهديد والوعيد الذي أوصل مثلاً الى انتحار شاب سوري بعد تهديده باعادته بالقوة الى سوريا، فيما ينتظره هناك السجن والتعذيب.

وعلى أي حال، بدا النظام السوري غير متحمس لاعادة اللاجئين على الرغم من أن دول الجوار مثل الأردن وتركيا تطالبه بذلك، وأحد أسباب تريث الأردن في قرار عودة سوريا الى الجامعة العربية هو رفض النظام لاعادة اللاجئين. ومن هنا، على لبنان أن يكون حاضراً في المناقشات والمتابعات والتنسيق في هذا الملف لتأمين عودة لائقة، فمعظم اللاجئين السوريين تركوا بلادهم خوفاً من عنف النظام ودمرت منازلهم واحتلتها الميليشيات الايرانية – اللبنانية.

لقد أسهمت سياسة لبنان في إحداث انفلاش في انتشار اللاجئين في مناطق لبنانية مختلفة، ودخل على الخط من استفاد من الفوضى بعضهم للعمل وبعضهم الآخر من أصدقاء القوى السياسية المتحالفة مع الأسد الذين فتحوا مؤسسات تجارية، ولم يتم ضبط تمددهم.

شارك المقال