عودة اللاجئين… بين الحق والباطل

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ينتظر أن يكون موضوع اعادة اللاجئين السوريين أحد المواضيع الساخنة التي ستلقى اهتماماً في اجتماع جامعة الدول العربية، وشرطاً أساسياً لعودة مقعد سوريا، على الرغم من أن المشاورات والاجتماعات التي حصلت لم تكن مبشّرة كثيراً بسبب المواقف التي يتخذها النظام السوري الذي يطلب رفع السعر بالطبع، ويريد معالجة المواضيع العالقة بالمفرق لا بالجملة، لكن هذا السلوك قد يتطلب مواقف أكثر حزماً من الدول العربية في التعامل مع نظام الأسد وعدم رخي الحبل له كثيراً والانجرار الى ما يخطط له لاعادة اعتباره والتسامح معه، لا بل يتطلب وضع النقاط على الحروف وأولها ما يتعلق بملف اللاجئين الذي يشكل عبئاً على دول الجوار والعالم لا سيما لبنان والأردن وتركيا التي تعالج هذا الموضوع وفق أرجحية مصالحها أولاً.

طرح غياب لبنان الذي لم توجه له الدعوة الى اجتماع الأردن التشاوري، الذي عقد الاثنين الماضي على الرغم من إعلاء الصوت والمتاجرة بالمواقف وفقاً للمصلحة السياسية لفرقاء السلطة، تساؤلات حول أسباب هذا الغياب عن الاجتماع الذي بحث في سبل عودة اللاجئين السوريين، والذي يمكن تبريره بغياب عمل السلطات من بعبدا الى السرايا الى مجلس النواب والوزارات المعنية بهذا الملف، علماً أن سلسلة تدابير اتخذت للمزايدة السياسية من دون دراسة أو اجراءات جدية وضرورية لا تضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي ولا مؤسساته أو التهديد بفضح المستور في هذا الملف خصوصاً وأن لبنان استفاد كثيراً من أموال دعم ملف اللاجئين، لا سيما أن أولويات معالجة هذا الملف تكمن في السياسة أي في انسحاب “حزب الله” وسلاحه من سوريا ومن انتشاره على الحدود للسماح بعودة آمنة للاجئين لا سيما في القصير والقلمون والمناطق ذات الغالبية السنية في سوريا، والتي أراد النظام تغيير واقعها الديموغرافي لصالح توطين ميليشيات ايران المتعددة الجنسية فيها.

صحيح أن هناك ضرورة لوضع ملف عودة اللاجئين السوريين من لبنان الى بلادهم في الأولويات، ويكاد يكون الموقف موحداً اليوم أو لنقل يتلاقى لدى عدة أطراف كانت تغض النظر في السابق، باستثناء الناشطين السياسيين الذين يرتبط بعضهم بمؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في هذا الملف وتكرر أحياناً ببغائياً كلام المؤسسات الدولية بادراك أو من دون تحسس لمخاطر تجاهل معالجة ملف اللاجئين، وطبعاً بأساليب تحفظ أمنهم وأمانهم ولا تجعلهم لقمة سائغة في فم الأسد كما يريد بعضهم في لبنان من أصدقاء زمن الوصاية.

الواضح أن التدابير التي تقوم بها الحكومة اليوم لن تكون مختلفة عن تجارب سابقة حصلت منذ سنوات ونفذت بصورة متقطعة ولم تحل الأزمة، فالأعداد التي كانت تذهب تعود مضاعفة لماذا؟ لأن الحل السياسي لم يحصل ولأن أراضي اللاجئين ومنازلهم وملكياتهم اما محتلة أو مدمرة، وهنا بيت القصيد في أن اعادتهم تتطلب أولاً عودة “حزب الله”، ومن ثم يمكن أن تسهم الأمم المتحدة في مساعدة هؤلاء على اعادة بناء أو اصلاح ما خرّب ودعمهم على أرضهم.

لذلك، لا يمكن للحكومة اللبنانية النجاح في حل مشكلة اللجوء السوري من دون أن يكون هناك حل اقليمي ودولي، فالمسؤوليات في هذا الملف كبيرة ولا يمكن التعاطي معها باغتراب، بل يجب عدم التنصل من المسؤوليات لجهة القيام بتنظيم هذا اللجوء أو الضغط السياسي لعدم تحكم “حزب الله” بادارة الدولة وفقاً لأهوائه السياسية. وعلى الحكومة تنظيم الملفات والاستعداد لأي تطور أو اتفاق اقليمي لتأمين عودة آمنة للاجئين الى المناطق الآمنة في سوريا، مقابل اعادة الأخيرة الى أحضان العرب، ولا يمكن أن تكون العودة بالفرض بل بطوعية وبحماية الأمم المتحدة وعدم السماح بمصادرة الأراضي واستيطان الميليشيات الايرانية في مناطق سورية كما حصل في فلسطين على يد “الهاغانا” اليهودية.

لا يمكن التهرب من معالجة ملف اللاجئين بعيداً عن الحلول السياسية وتطبيق القرارات الدولية والالتزام بحقوق الانسان، ولا يجب رمي اللاجئين في المجهول واعادتهم من دون خطط منظمة تضمن لهم أماناً وعيشاً كريماً، والسؤال الذي يطرحه هؤلاء كيف سيحصل ذلك مع نظام الأسد وكيف يمكن للحكومة اللبنانية والسلطة الغائبة تنظيم ملفات السوريين لا سيما العمالة وإخضاعهم لنظام الاقامة وفقاً للقانون وليس بطريقة مخالفة له، واعتماد تدابير انتقامية تؤدي الى حالات عنف وتصادم، تضع مصيرهم في لبنان في مهب المزايدات السياسية والعصبية؟

وما يجب أن يدركه اللبنانيون أن أزمتهم المعيشية وسرقة المصارف ودائعهم والفراغ في مواقع السلطة، ليس مسؤولية اللاجئين وانما مسؤولية السلطة الفاسدة التي تركت حبل فوضى النزوح على الغارب وسمحت لحزب لبناني مسلح في الحرب السورية بأن يصبح طرفاً في تفاقم الأزمة وفي تهجير أعداد كبيرة، وأن الممارسات اللاانسانية بحق بعض السوريين على طريقة ما يمارسه أمن نظام “البعث”، لن تحل المشكلة بل ستفاقمها وتؤجج الكراهية والعنصرية في الشارع ولن يكون بامكان أي سلطة القدرة على لجمه لاحقاً، لا سيما اذا نفذ قرار الحكومة وفقاً لطلب اللجنة الوزارية التي تتابع ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، من وزير العدل، “البحث في إمكان تسليم الموقوفين والمحكومين الى الدولة السورية بصورة فورية، مع مراعاة القوانين والاتفاقات ذات الصلة، وبعد التنسيق في هذا الخصوص مع الدولة السورية”.

وكشف معارضون سوريون أن الحكومة اللبنانية طرحت تسليم السجناء السوريين، على الرغم من إقرارها بأن تهمة 90 في المئة منهم معارضة النظام السوري، متسائلين كيف ترحّل معارضاً مهدداً في بلده، وفي هذا مخالفة جسيمة للاتفاقيات الدولية التي صدّق عليها لبنان، لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب؟ وعليه إذا ارتكبت الحكومة اللبنانية هذه المخالفة فسيُثار الأمر دولياً، لمحاسبة أي مسؤول ساهم في تعريض حياة السجناء للخطر.

اشارة الى أن ما يقرب من 400 معتقل سوري، أصدروا بياناً أوضحوا فيه أنهم هربوا “من بطش نظام الأسد، ومن أسلحته الكيماوية، ومن أقبية التعذيب وحفر الموت”، لكنهم اعتقلوا في لبنان واتهموا “بتهم مختلفة، وباطلة”.

شارك المقال