النوافذ المكسورة... من لحود الى عون

سياسة 16 أيار , 2023 ـ 12:08 ص
        اخر تحديث قبل: 3 أسابيع

 

النافذة المكسورة، نظرية عالم الاجتماع فيليب زمباردو، التي أصبحت لاحقاً من أشهر الأمثلة في دراسات علم الجريمة خصوصاً وفي العلوم الاجتماعية عموماً. سنة 1969 قام زمباردو بترك سيارتين بأبوابٍ مفتوحة ولوحات أرقام مفقودة في منطقتين مختلفتين، الأولى في حي فقير والأخرى في حي غني، وخلال بضع دقائق بدأت سرقة السيارة وتخريبها في الحي الفقير، ودمرت بالكامل خلال ثلاثة أيام. وتطلب الأمر وقتاً أطول للمارة في المنطقة الغنية للبدء بتدمير السيارة، ما أرغم زمباردو على التدخل وكسر إحدى نوافذها، فبدأ الناس بكسر البقية وسرقة السيارة، واستغرق الأمر وقتاً مشابهاً للحي الفقير لتحويلها بالكامل إلى خردة.

اليوم، يتعرض لبنان لتحطيم جميع "نوافذه". النافذة الأولى التي تحطمت، هي الدستور، ولعل أبرز تحطيم حصل له عند فرض التمديد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود، والموضوع هنا ليس متعلقاً بشخص لحود أو نهجه السياسي، ولا حتى بأدائه، بل بفكرة التمديد بحد ذاتها، فقد أقر التمديد، مع بعض الأصوات المعارضة، ولكن ثبتت الفكرة بأنه يمكن كسر "نوافذ" الدستور، ولن تكون هنالك مشكلة في هذا الأمر، وهذا ما حصل فعلاً، فقد بدأت "نوافذه" تتكسر الواحدة تلو الأخرى. لا مانع من الفراغ، لا بأس بتعطيل الحكومات، التمديد أمر مقبول، إلى أن وصل البلد في العام 2014، وحل الفراغ في رأس سلطته، رئاسة الجمهورية، وهنا كسرت "نافذة" بعبدا، بحيث أصبح البلد يسير من دون رئاسة، كأن كل شيء على ما يرام. الى أن حلت اللحظة الاقليمية والداخلية، وانتخب بالأمر الواقع ميشال عون رئيساً للجمهورية، ويا ليته لم ينتخب، ففي عهده استفحل كسر "نوافذ" الدستور لدرجة أنه بالكاد بقيت هناك نافذة ترد عنه الهواء في حكم شريعة الغاب.

ولم يقتصر عهد عون على تحطيم نوافذ الدستور وحسب، بل بدأ بكسر نوافذ المؤسسات واحدة تلو الأخرى. ولعل أبرز المؤسسات التي تعرضت لرشقات الحجارة البرتقالية بعد مجلس الوزراء هي المؤسسة القضائية، فالعونيون في القضاء أصبحوا يمتثلون لارادة ميرنا الشالوحي، ويحتمون بقصر بعبدا، لدرجة أن بعضهم تمرد على المؤسسة العدلية ومرجعياتها، وأطلقت يده ليكون سيف عون في وجه خصومه.

البلد اليوم يعاني من فراغ على كل المستويات، ومرد ذلك إلى النافذة المكسورة حين تم التمديد للحود، فبدأت النوافذ جميعها تتحطم، وعندما حل الفراغ الرئاسي، كان "البلد ماشي"، وبالتالي، لم تعد هناك من خطوط حمر، فإذا كان البلد يتعايش مع الفراغ في الرئاسة، يمكنه التعايش أيضاً مع الفراغ في كل المؤسسات، ولعل مؤسسة الأمن العام دليل على ذلك، ولم يبقَ للبنان فعلياً إلا المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية، التي لم تكسر أي نافذة فيها حتى الآن، ولكنها معرضة لذلك، في حال استمر الفراغ الرئاسي، فإذا لم ينتخب رئيس قبل نهاية ولاية قائد الجيش، سيكون الفراغ في المؤسسة العسكرية حتمياً، وسيسبقه فراغ في المؤسسة المالية، أي حاكمية مصرف لبنان، وعندها سيذوق اللبنانيون مرارة السير على الزجاج المكسور.

شارك الخبر

مواضيع ذات صلة:

Contact Us