تكتيكات الحرب الجديدة في أوكرانيا والتحول النموذجي في البلقان

حسناء بو حرفوش

عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014، التزمت بروكسل الصمت… أما اليوم فتدعم الديبلوماسية الغربية القوى المناهضة للديموقراطية في البلقان، بشكل قد يعرضها للوقوع في الفخ الخطير الذي نصبته بلغراد وموسكو رداً على التدخل الغربي في أوكرانيا. فهل يخدم هذا التغيير الجذري في نموذج الديبلوماسية الغربية مصالح أوروبا والغرب على المدى الطويل؟

وصف المحللون الأوروبيون رد الفعل الحالي للولايات المتحدة في ما يتعلق بروسيا، بأنه خطأ استراتيجي، إنطلاقاً من حاجة الغرب الى منع إنشاء تحالف بين روسيا والصين بأي ثمن، وفقاً لمقال في موقع “أوراسيا ريفيو”. وشهد الأسبوع الماضي سلسلة من الأحداث ذات الطابع الجيوسياسي العالمي. وتثبت هذه الحقيقة أن جيلنا سيراكم كحضارة، تصعيداً كبيراً للقوى العظمى العالمية والاقليمية (الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا) في ذاكرة التاريخ.

وسيتطور هذا الصراع المتصاعد إلى فوضى كاملة، لأن القواعد التي فرضها النظام العالمي على الغرب لم تعد تنطبق على أي من الجانبين. ومع ذلك، يثبت تعميق الحرب في أوكرانيا والتدخل المباشر أو غير المباشر للقوى العظمى أن جميع الأطراف اتفقت من حيث المبدأ، ولو ضمنياً، على تجنب المواجهة المباشرة بأي ثمن.

ولا تزال أوكرانيا في مركز اهتمام السياسة الخارجية. ويبدو أن الهجوم الأوكراني المضاد قد قلب أجندة وسائل الاعلام والسياسة الأوروبية. ومن المتوقع أن تحدد عاصفة المسيرات التي تم الاعلان عن إطلاقها قريباً في أوكرانيا مسار والحرب ومصيرها. وأكد السياسيون الأوكرانيون أن “كل شيء جاهز”. التوقعات ليست عالية في أوكرانيا وحسب، ولكن أيضاً في الغرب.

ويستعد الجيش الأوكراني لهجوم بالمسيرات. وبالتوازي، يواصل الجيش الروسي توسيع مواقعه ومهاجمة أوكرانيا بالصواريخ والمسيرات. وفي ضوء الهجوم الأوكراني المضاد الذي كان متوقعاً منذ أسابيع، رأى بعض المراقبين أن الغارة الجوية كانت بمثابة استعداد لهذا الهجوم.

“حرب بحرية جديدة”

في 29 تشرين الأول، بدأت حقبة جديدة في الحرب البحرية الحديثة، وفتحت أوكرانيا الباب أمام هذه الحرب. وتشير التقارير العسكرية الأوكرانية ولقطات المسيرات إلى ثلاث إصابات مباشرة، بما في ذلك سفينة أسطول الأدميرال ماكاروف وسفينتين أخريين، حسبما أشارت وكالات الأنباء. في 18 تشرين الثاني، وقع انفجار كبير في محطة نفطية روسية في نوفوروسيسك، قيل أيضاً انه نجم عن مسيرات تابعة للبحرية من النوع نفسه.

وقد لا يكون هذا سيئاً لروسيا فقط، بحيث تتأثر جميع الجهات العاملة في البحر في البحرية أو في القطاع المدني. ومن جانبها، أعلنت أوكرانيا في 11 تشرين الثاني أنها تعتزم إنتاج 100 نموذج متطابق. وبعد 14 شهراً على مضي العدوان على أوكرانيا، لم تتمكن روسيا من تحقيق هدفها الاستراتيجي، ومع ذلك، احتلت حوالي 20% من أراضي أوكرانيا واستحوذت عليها. وتريد كييف من خلال الهجوم المضاد، استعادة أكبر عدد ممكن من المناطق، قبل أي حوار أو فرض هدنة قصيرة أو طويلة الأمد.

في هذه الأثناء، تتضح الخسائر المتبادلة، كما هو الحال في القوات العسكرية والأسلحة وكذلك في صفوف السكان المدنيين. ويرى وزير الدفاع الأوكراني في ذلك حقيقة أن أوكرانيا لا تزال في طليعة الدفاع عن أوروبا.

“الغرب وفخ صربيا”

تحت تأثيرات الحرب في أوكرانيا، يقوم الغرب بتغيير سياسته في البلقان، وأدت الاستراتيجية الغربية التي فرضها مؤتمر دايتون واستراتيجية رامبوييه، إلى جانب الآثار المترتبة على المصالح الجيوسياسية للقوى الأوروبية التي تتنافس تقليدياً على الهيمنة في جنوب شرق أوروبا، إلى تعديل الموقف المعروف لمجموعة الاتصال والشروط التي كان عليها التقيد بكوسوفو بعد إعلان الاستقلال.

ومن ناحية أخرى، تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نضال الأوكرانيين من أجل القيم الديموقراطية والغربية. ومع ذلك، في البلقان، تريد الولايات المتحدة وبعدها الاتحاد الأوروبي، تبني مواقف عرقية قومية وتأمل في الحد من نفوذ موسكو هناك. لذلك، فهم يحاولون حتى “التعامل” مع السياسيين الذين يدافعون عن جرائم الحرب ويعرفون عن أنفسهم علانية بأنهم متعاطفون مع بوتين.

وفي ضوء الحرب في أوكرانيا، تأمل واشنطن في التمكن من إقناع الغرب بالرئيس الصربي الحالي ألكسندر فوسيتش بالتوازي مع استيعاب الجناح اليميني الكرواتي، الذي يتعاطف مع بوتين. لكن الديبلوماسية الغربية – الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي – تدعم القوى المناهضة للديموقراطية في البلقان، وتقع في الفخ الخطير الذي نصبته بلغراد وموسكو رداً على تورط الغرب في أوكرانيا. هل هذا التغيير الجذري في نموذج الديبلوماسية الغربية يخدم المصالح طويلة المدى لأوروبا والغرب؟

أجراس الإنذار تدق بالفعل. إذا تسببت الحرب في أوكرانيا بزيادة وزن الاتحاد الأوروبي الجيوسياسي، فسيذكرنا اندلاع الحرب في البلقان مرة أخرى، من دون شفاء ندوب حروب العقد الأخير من القرن، أكثر من أي شيء آخر، بمصيدة ثيوسيديدس، لكنها هذه المرة ستعرف بـ “المصيدة الصربية”.

شارك المقال