القمة العربية… مقدمة لسياسة براغماتية جديدة في المنطقة؟

هيام طوق
هيام طوق

احتضنت مدينة جدة السعودية، أعمال القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين التي أتت في ظروف استثنائية، وضمن متغيرات وتطورات في المنطقة لم تكن متوقعة اذ تسعى السعودية بعد الاتفاق مع ايران الى تصفير المشاكل، وحلّ الأزمات الداخلية للدول، ابتداء من القضية الفلسطينية مروراً بالملف السوري والحرب السودانية وبقية الملفات كاليمن وليبيا ولبنان.

وعلى قدر ما كان لافتاً حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كضيف شرف في القمة العربية وألقى كلمة ناشد فيها “الدول العربيّة مساعدة أوكرانيا لمواجهة العدوان الروسي”، كان لافتاً غياب لبنان عن غالبية الكلمات التي أطلقها الرؤساء العرب فيما كان التركيز على أزمات السودان، اليمن، فلسطين، ليبيا وسوريا. كما لفت الأنظار، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي غادر القمة قبل القاء الرئيس السوري بشار الأسد، كلمته التي لم يقدم فيها أي جديد بعد غياب أكثر من 12 عاماً.

وقبيل انطلاق فعاليات القمّة، صدرت مسودّة بيانها الختامي التي رفعها وزراء الخارجية العرب بعد اجتماعاتهم التحضيرية، وتضمنت 32 مشروع قرار، إلى القادة، تتضمن أبرز القضايا السياسية التي تهم الشارع العربي بالاضافة الى قضايا البيئة والأمن السيبراني، والملفات الاقتصادية والاجتماعية. وفي ما يتعلق بلبنان، حثّت المسودة، السلطات اللبنانية على “مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة، وضرورة تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين ودعم موقف لبنان برفض التوطين وما يشكله من خطر على استقراره، ودعم جهود الدولة اللبنانية بإعادة إعمار مرفأ بيروت، ودعم التحقيقات القائمة لكشف ملابسات الانفجار ومحاسبة المسؤولين عن حصوله، وضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، والتأكيد على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، والترحيب بالخطوات المتخذة من لبنان لتسريع البدء في التنقيب عن النفط وحق لبنان في استثمار موارده”.

إلا أن البيان الختامي للقمة الذي اتفق عليه القادة العرب، لم يتضمن بنود المسودة المتعددة في ما له علاقة بالشأن اللبناني، انما اكتفى بحث السلطة اللبنانية على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة.

في هذا الاطار، قال الوزير السابق ابراهيم نجار: “إقرأ تفرح… أما بعد، مما لا شك فيه ان القمة العربية حدث مهم، وستكون بوابة عودة سوريا الى جامعة الدول العربية والى المجتمع العربي. واستمعت بإمعان الى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، ووجدت أنه لم يتنازل عن أي شيء أو عن أي طرح أو عن أي حجة كانت سوريا تتسلح بها في الماضي في سياستها الخارجية. لم تتبدل سوريا، وأنا على يقين بأن عودتها الى البوتقة العربية على هذا النحو، انتصار كبير للمصالح العربية التي تريد مكافحة الأصولية في المنطقة. ولا بد من الاشارة الى أن الرئيس السوري في خطابه، تطرق الى السياسة الخارجية التركية والى الدول التي تساند من سمّاهم الاخوان، وانه يريد مساندة دول الخليج في اعادة اعمار سوريا، لكن قراءتي لهذه القمة، تأخذ في الاعتبار السياسات الدولية في الوقت الحاضر”.

ورأى أن “القمة العربية الى حد ما، تبدو وكأنها تريد التميز عن الدول الغربية وعن الولايات المتحدة الأميركية، وكأنها أيضاً تعيد عجلة السير الى الوراء بالنسبة الى العلاقات مع دولة اسرائيل. في هذا السياق، يمكن القول ان السياسات الايرانية والروسية، تخرج منتصرة الى حد ما بفعل هذا الانتقاء العربي، وهذا حدث جديد تتزعمه المملكة العربية السعودية، ومن شأنه اعادة خلط الأوراق بصورة غير مباشرة، ويبقى رهن التطبيق والتجربة. اما الملاحظة الأخرى، فإن دولة قطر، تجاوبت مع الدول العربية من أجل اعادة سوريا الى البيت العربي، لكنها لم تغيّر سياستها تجاه سوريا، وبذلك، لا تزال على تميزها بالنسبة الى سياسة المملكة السعودية وبالنسبة الى المصالح التي تعصف بسوريا اليوم. لذلك، علينا التنبّه وقراءة الأوضاع الجديدة بكل حذر. صحيح أننا سعداء بعودة الوئام والوفاق الى الدول العربية، لكننا أيضاً من جهة أخرى، علينا أن نكون حذرين جداً بالنسبة الى ردود الفعل التي سوف تنتج عن هذا كله”.

أما بالنسبة الى البنود المتعلقة بلبنان، فاعتبرها نجار “جيدة جداً، وتؤسس لقاموس سياسي جديد لاسيما لجهة التمييز بين المقاومة والارهاب وكأن الدول العربية، قبلت بإحتضان منطق ايران في تحالفها مع حزب الله اللبناني. هناك تغيّرات لم تكن منتظرة. كل هذا القاموس القانوني الذي يكرّس المطالب اللبنانية في ما يتعلق بانتخاب الرئيس وتشكيل حكومة واعادة تأسيس الدولة والاصلاحات وملف المرفأ وغيرها من القضايا، مرحب بها الى حد بعيد، لكن كل ذلك يبقى في اطار التمنيات، ويدخل في منطق إقرأ تفرح، ونأمل أن تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر”.

واستغرب نجار حضور الرئيس الأوكراني الذي ألقى كلمة أمام المشاركين في قمة جدة، مشيراً الى أن “الانتقائية أو البراغماتية كأنها كانت أيضاً في صلب التوجهات العربية الجديدة حتى لو لم تكن بالمعنى الدولي للكلمة، مرتكزة على سياسات واضحة المعالم. القاء الكلمة، انجاز كبير، لكن يبقى السؤال هل هذا يحصّن المملكة العربية السعودية تجاه الدول الغربية؟”، مؤكداً أن “القمة محاولة جديدة لارضاء فرقاء متعددين من دون أن يكون هناك رابط منطقي موحد. انها سياسة انتقائية براغماتية، فهل هذا هو النمط السياسي العربي الجديد؟ وتبقى نقاط استفهام متعددة”.

أما الوزير السابق عدنان منصور فرأى أن “القمة تؤشر الى مسقبل واعد للعالم العربي على اعتبار أنها قمة رأب الصدع والتلاقي وازالة الخلافات خصوصاً بعد عودة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وسوريا، ونحن نعلم أهمية موقع السعودية الاستراتيجي والسياسي والمالي في العالم العربي وأيضاً موقع سوريا في المشرق العربي، ودورها ومواقفها المبدئية القومية. خلال السنوات الماضية، كل دول المنطقة عانت، وممكن أن تصبح في المرحلة المقبلة، العلاقات متينة لمعالجة الأمور وتقريب وجهات النظر. في نهاية الأمر، الاستقرار مهم لكل دول العالم العربي، والأمن المشترك ضروري، لذلك، نحن في حاجة الى تعزيز الثقة والى الحوار بين الدول خصوصاً أن هناك روابط أخوية وتاريخية بين دول المنطقة”.

ولفت الى أن “من يضع بنود البيان الختامي، وزراء الخارجية العرب، قبل رفعه الى القمة للتصديق عليه. واليوم، البيان يأتي في اطار التمنيات لأن القمة لا تتدخل في شؤون الدول انما تطلب حل المشكلات على سبيل المثال في لبنان، فالأزمة لا تنبع من الخارج انما من الداخل، وعندما يكون هناك توافق داخلي حول انتخاب الرئيس ومواجهة الفساد واعادة بناء الدولة على أسس متينة، وغيرها، فإن الخارج لا يتدخل فيها. عندما يكون هناك شرخ في الداخل، بطبيعة الحال، لن يتوصل اللبنانيون الى حلّ. لهذا السبب، القمة لا تفرض شيئاً، لكن تتحدث من باب التمنيات والحرص على مصالح الدول، وقراراتها ليست الزامية. الكرة ليست في ملعب القمة انما في الملعب اللبناني الذين يجب أن يتحد حكامه، ويقرروا بأنفسهم حل قضاياهم، وانجاز استحقاقاتهم الدستورية”، مشدداً على “ضرورة أن يكون هناك قرار لبناني موحد لتساندنا الدول العربية، وملف اللاجئين السوريين يجب أن يعالج على مستوى عال جداً، وبموضوعية وبذهنية واسعة. لا يمكن الاستمرار في هذا المسار، ومن الضروي توحيد القرار، وتحمل المسؤولية، والعمل بشفافية كاملة”.

وعن حضور الرئيس الأوكراني، قال منصور: “يجب انتظار الأيام المقبلة لنعرف الغاية من هذا الحضور، لكن ربما يكون تأسيساً لدخول المملكة العربية السعودية أو بعض الدول العربية بوساطة مع روسيا لانهاء الحرب في أوكرانيا”.

شارك المقال