جنبلاط يتنحى لتيمور: المستقبل لك

هيام طوق
هيام طوق

صحيح أن قرار رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، بالاستقالة، فاجأ اللبنانيين خصوصاً في توقيته بحيث يمرّ البلد في مرحلة دقيقة وحساسة، لكن من يراقب الخطوات السابقة والتصاريح التي أدلى بها جنبلاط منذ سنوات، يتأكد أن خطوة الاستقالة طبيعية، ومدروسة ومخطط لها، وأتت في مرحلة يراها مناسبة، بعد التسليم التدريجي لنجله الأكبر تيمور. إذ منذ سنة 2017، سلّم الزعيم الدرزي نجله زعامة العائلة السياسية، في احتفال أقيم في الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط، حضره الآلاف من مناصريه في المختارة، وتوجّه الى تيمور بعدما وضع كوفية الزعامة على كتفيه، بالقول: “يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لاسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”.

واستمرّ في دعم مسيرة نجله السياسية سنة 2018 إذ تنحّى عن العمل النيابي، ورشّح تيمور للانتخابات ورئاسة “اللقاء الديموقراطي”، وأكمل في النهج نفسه مع منحه المزيد من المساحة لاتخاذ قرارات سياسية، وأوكله استقبال الوفود الشعبية التي تزور دار المختارة أسبوعياً والاستماع الى مطالبها، ليرتدي تيمورعباءة الزعامة الفعلية.

قيل الكثير عن خطوة الاستقالة، وتعددت القراءات والتفسيرات والتحليلات إلا أن البيك الذي لطالما تقاسم الأدوار مع نجله في السنوات الأخيرة، وتشاركا معاً في العمل السياسي، كان واضحاً من خلال تصريحاته، وفي أكثر من مناسبة، أنه يريد أن يرتاح، إذ أشار منذ أيام الى أنه لن يتّخذ أي موقف بشأن الملف الرئاسي من دون التشاور مع تيمور، قائلاً: ” المستقبل له وليس لي”. وحينها تساءل الجميع عن مغزى هذا الكلام، وإن كان يريد التقاعد من العمل السياسي وترك الساحة لنجله.

في هذا السياق، أكد مصدر مقرب من جنبلاط في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “خطوة الاستقالة أتت في اطار تهيئة الأرضية المناسبة لتسليم تيمور، وليست مفاجئة لا للقاعدة الشعبية ولا للقاعدة الحزبية خصوصاً أن جنبلاط تحدث مؤخراً عن أن المستقبل لتيمور. انها خطوة لينطلق تيمور في قيادة الحزب كما انطلق في قيادة اللقاء الديموقراطي، هذا هو المغزى الأساس من الاستقالة. أما عن التوقيت، وخلافاً لما يروّج أو سيروّج له من أخبار عن خلاف بين جنبلاط ونجله، تحديداً في موضوع الانتخابات الرئاسية، والتي لا أساس لها من الصحة، فالأب والابن متفقان على عدم القبول بمرشح ينتمي الى محور الممانعة، وتحديداً سليمان فرنجية، والقرار هو قرار الكتلة النيابية التي يرأسها تيمور. اما من يتحدث عن جهوزية تيمور أو عدم جهوزيته لاستلام الزعامة، فإن والده لا يزال الى جانبه، وبالتالي، لم ينسحب انما سيبقى مرشداً لابنه، وسيتناقشان سوياً في الشاردة والواردة. واعتباراً من 25 حزيران المقبل، سيصبح تيمور جنبلاط رئيساً للحزب التقدمي الاشتراكي”.

وعن أولئك الذين يقولون ان جنبلاط أقدم على خطوة الاستقالة في هذا التوقيت بالذات أي عشية انتخاب رئيس للجمهورية لأنه لا يتفق مع حليفه اللدود رئيس مجلس النواب نبيه بري، في الملف الرئاسي، وهو لن يسايره ولن يسير معه بمرشحه، ما يعني أنه سيكون في موقف حرج، اعتبر المصدر أن “الخلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية. هناك علاقة تاريخية بين البيك وبري، لكن جنبلاط عارضه في الرأي حول 3 رؤساء: هو رفض التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي علماً أن بري كان يريد التمديد. ثم رفض الاقتراع والتمديد للرئيس إميل لحود بينما كان الرئيس بري مع التمديد. كما أن جنبلاط انتخب الرئيس ميشال عون في حين أن بري لم ينتخبه. هذا الخلاف في الملف الرئاسي، يتكرر لكنه لا يفسد العلاقة المتينة بين الرجلين. بكل بساطة، الاستقالة، أتت من منطلق أن جنبلاط أراد أن يرتاح، ورأى أن الظرف ملائم حالياً لتسليم المسؤولية كاملة لتيمور”.

على أي حال، أعلن جنبلاط، عن استقالته من منصبه، ومن مجلس القيادة الحالي. ودعا عملاً بأحكام دستور الحزب ونظامه الداخلي، الى مؤتمر عام انتخابي في ٢٥ حزيران المقبل، وكلّف أمانة السر العامة، إتمام التحضيرات اللازمة وفق الأصول وحسب الآليات المعتمدة، وإصدار التعاميم ذات الصلة بمواعيد قبول طلبات الترشيح ومهلة الانسحاب والشروط كافة المتعلقة بالعملية الانتخابية وإعداد لوائح أعضاء المؤتمر العام وتوجيه الدعوات إليهم.

وتوضيحاً للعملية الانتخابية، قال المصدر: “منذ سنة 1977 الى اليوم، عقدت تقريباً 6 جمعيات عمومية أعيد فيها انتخاب جنبلاط رئيساً للحزب الاشتراكي. ورئاسة الحزب ليست لها فترة معينة، والجمعية العمومية، تعقد بناء للحاجة الملحة أو الضرورة. وفي الجمعية، يتم انتخاب الرئيس ونوابه ومجلس القيادة. عملياً، ستدعو أمانة الحزب، الهيئة الناخبة في الحزب التي تضم: النواب والوزراء الحاليين والسابقين، أعضاء مجلس القيادة، المفوضين ونوابهم، وكلاء الداخلية والهيئة الادارة للوكالة، المعتمدين في المناطق، مدراء الفروع وأعضاء الهيئات الادارية، الى انتخاب رئيس جديد للحزب. وسيتم أيضاً، توزيع لوائح بأسماء المرشحين الى مجلس القيادة ليصار الى انتخابهم. ثم يجري رئيس الحزب، تشكيلات ادارية داخلية من تعيين وكلاء الداخلية، والمفوضين، وغيرهم”.

وأشار المصدر الى أن “الجمعية العمومية في 25 حزيران المقبل، كان من المقرر عقدها في العام 2019 الا أن ظروف جائحة كورونا والثورة، أدّت الى التأجيل ثم كان من المقرر أن تعقد سنة 2021 لكن الظروف لم تكن مؤاتية. ومرّت أكثر من 10 سنوات على الجمعية العمومية الأخيرة التي تعقد في دوراتها العادية كل 8 سنوات تقريباً”، موضحاً أنه “كان يفترض، استناداً الى دستور الحزب، عقد جمعية عمومية، يتم خلالها تقويم المراحل من الجمعية الأخيرة الى اليوم، ومناقشة تقريرها السياسي والاداري، وغيرها، وثم عقد جمعية أخرى لانتخاب الرئيس الذي اما يتم التجديد له أو انتخاب رئيس جديد اذا كان هناك من مرشحين للرئاسة، لكن جنبلاط، قرّر تقديم استقالته فوراً، للتخفيف عن كاهل الحزبيين كي لا يتكبدوا مصاريف مشوارين الى مقر الجمعية العمومية” .

وفي الخلاصة، فإن القيادة تنتقل من الأب الى الابن كما انتقلت من الجد الى الأب. جنبلاط تسلّم رئاسة الحزب سنة 1977 لحظة استشهاد كمال جنبلاط، واليوم يحصل التسليم بطريقة ديموقراطية اذ قدّم استقالته من رئاسة الحزب، ودعا الى جمعية عمومية وفقاً للنظام الداخلي للحزب، ومن المتوقع أن تتسلم قريباً أمانة السر، طلبات الترشيح لعضوية مجلس القيادة، ولرئاسة الحزب. مع العلم أن لرئيس الحزب صلاحية تعيين 4 أعضاء في مجلس القيادة غير المنتخبين.

شارك المقال