الراعي بين الفاتيكان وباريس… هل تتوّج الزيارة برئيس؟

هيام طوق
هيام طوق

تتّجه الأنظار الى الفاتيكان وباريس، حيث يحطّ البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في زيارتين اعتبرتا مهمتين في توقيتهما وشكلهما ومضمونهما، إذ التقى أمس رئيس الحكومة الفاتيكانية الكاردينال بيترو بارولين، قبل أن ينتقل مساء إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم، والتباحث في ما يمكن تقديمه من تسهيلات لانجاز الاستحقاق الرئاسي.

لا شك في أن لرأي البطريرك الماروني، موقعه وأهميته في قصر الاليزيه، وأصبحت هناك قناعة فرنسية بضرورة الوقوف عند طروحه خصوصاً بعد أن تأكدت فرنسا أنه لا يمكن إيصال أي شخصية الى سدة الرئاسة اذا لم يوافق عليها أقله حزب من الحزبين المسيحيين الكبيرين أي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وبالتالي، فإن ورقة وجود مرشح آخر مقابل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي تعارض وصوله مختلف القوى المسيحية، ستجعل محادثات الراعي مع ماكرون أسهل ، وسينطلق من موقع قوة بعد أن كانت فرنسا تحاول التسويق لمرشح معين ضمن مقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة بحجة أن لا مرشح آخر في وجهه.

إذاً، في ظل الحديث عن تفاؤل حذر من التوافق بين القوى المسيحية على اسم لرئاسة الجمهورية، ذكرت المعلومات أن الراعي سينقل حصيلة مساعيه لإنهاء الشغور الى قصر الاليزيه، وسيطرح اسم الوزير السابق جهاد أزعور حتى أن كثيرين كانوا يعوّلون على أن يُصار الى اعلان التفاهم (اذا صدقت المعلومات والنوايا) بين المعارضة و”التيار” قبل سفر البطريرك الى فرنسا. في حين اعتبر البعض أن البطريرك سيطرح لائحة بأسماء مرشحين للرئاسة من بينهم عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ابراهيم كنعان، وهذا ما تمّ ربطه بتأخير اعلان رئيس التكتل النائب جبران باسيل عن موقفه النهائي من أزعور، بانتظار نتائج لقاءات البطريرك في العاصمتين الفرنسية والفاتيكانية. كما سيطلب الراعي مساعدة فرنسا في ملف اللاجئين السوريين وضرورة عودتهم إلى بلادهم ورفض توطينهم، إضافة الى معالجة الملف المالي خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي.

على أي حال، فإن البطريرك الذي شكر الله في عظة الأحد “على ما نسمع بشأن الوصول إلى بعض التوافق بين الكتل النيابية حول شخصية الرئيس المقبل”، سيلتقي الرئيس الفرنسي عند الرابعة من بعد ظهر اليوم في قصر الإليزيه، وفق مصادر مطّلعة، ليبقى السؤال الابرز والأهم: هل زيارة الراعي الى فرنسا والفاتيكان، في ظل الأجواء الايجابية، ستتوج برئيس للجمهورية؟

أكد النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم “أننا ننتظر نتيجة الزيارة، ولا يمكن التكهن، ونأمل الايجابية. ننتظر ونأمل ونصلي ليأتي الحل القريب يرضي الجميع. ان كان هذا الحل على يد البطريرك الراعي أو سواه، لا يهم لأن المهم الوصول الى حلّ إيجابي، فالبلد لم يعد يحتمل، ومستقبل لبنان مهدد بالزوال اذا استمرّ المسؤولون السياسيون في النهج نفسه”.

وعن الملفات التي سيطرحها البطريرك الراعي خلال زيارته، قال: “ملفان مهمان يطرحان في الداخل اللبناني: ملف الرئاسة وملف اللاجئين السوريين، وننتظر مدى مساهمة الدولة الفرنسية فيهما. لا يمك أن نقول فول ليصير في بالمكيول. كل المسؤولين اليوم، يضحكون على بعضهم البعض وعلى الشعب. لا أرى أن هناك توافقاً على اسم اذ لا شيء جدّي يدل على ذلك. بعد كل الاختبارات التي أظهرت عدم صدق في النوايا والأعمال، لا يمكن أن نصدق أي أمر قبل أن يتحقق. لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم بل يجب الانطلاق من الواقع الذي يدل حالياً على أن لا جديد انما كل ما يحصل يصب في اطار المناورات، ولا نعرف ماذا سيحصل في المستقبل، لكن الواقع اليوم يشير الى أن ليس هناك من شيء جدي”.

ورأى أن “على كل اللبنانيين أن يجتمعوا حول رأي واحد للوصول الى نتيجة لأن لبنان ليس لطائفة دون سواها انما لكل أبنائه، واذا لم يحصل التوافق بين الجميع، والعمل من أجل المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة الضيقة، فلن نصل الى نتيجة. الكلام عن أن التوافق بين المسيحيين، ينتج رئيساً، كلام مضلّل لأنه حتى لو اتّفق المسيحيون على اسم، لا يمكن انتخاب الرئيس اذا لم يوافق الفرقاء الآخرون”.

وأشار المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ الى أن “البطريرك الراعي يحمل همّ القضية اللبنانية، ومن غير العقلاني القول ان هناك من يعلم اذا كان يحمل أسماء أو لا. وبالتالي، لا زيارة تنتج رئيساً بل انتخابات على رؤية واضحة تحترم الدستور والتداول الديموقراطي المنتظم للسلطة هي التي تنتج رئيساً للجمهورية اللبنانية من ضمن الثوابت التاريخية لانقاذ الهوية اللبنانية. ومن الضروري بمكان إعادة التأكيد على مواصفات أي رئيس، وبرنامج أي رئيس أو رئيسة للجمهورية اذ أن الهدف هو إنقاذ الجمهورية وليس إنتخاب الرئيسة أو الرئيس فقط”، مشدداً على أن “الكرسي الرسولي يلعب دوراً استثنائياً في الدفع باتجاه صون الهوية اللبنانية، وحماية القضية اللبنانية من كل المقايضات الداخلية أو الاقليمية أو الدولية على حساب حماية النموذج الحضاري اللبناني في المواطنة المحتضنة للتعددية. تحميل الكرسي الرسولي مسألة الدخول في أسماء قد يكون غير عقلاني وغير مفيد اذ أن الديبلوماسية الفاتيكانية مؤتمنة على دور لبنان الرسالة في الحرية وحقوق الانسان والديموقراطية والتعددية والعيش معاً”.

وقال: “يجب الاعتراف بأننا لا نزال في مسارات معقدة في ما يتعلق بالشأن الرئاسي. المسارات المعقدة، مرتبطة بخلاف بنيوي بين مشروعين: مشروع لبنان الدولة المدنية السيدة، الحرة، العادلة، المستقلة، دولة المواطنة والدستور، دولة القرارات الدولية، ولبنان الملتزم مواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لبنان الحياد الايجابي، لبنان الاصلاحات البنيوية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومشروع مستمر في التدمير المنهجي للهوية اللبنانية، وفرض أعراف لا علاقة لها بالدستور. بهذا المعنى، على الرغم من كل الكلام المرتفع عن إمكان إنجاز خرق في الشغور الرئاسي، وربما يكون امكاناً محتملاً، لكن من الواضح أن إنهاء هذا الشغور يجب أن يكون ناتجاً عن عملية ديموقراطية انتخابية لا عن توافق ظرفي بتسوية عرجاء تعيد وضع لبنان في مسار التسويات الترقيعية، وبالتالي، استمرار انهيار النموذج الحضاري اللبناني على كل المستويات”.

واعتبر الصائغ أن “ملف اللاجئين، همّ وطني، وهمّ البطريرك الراعي، لكن تغيب حتى الآن سياسة عامة متكاملة تتبناها حكومة تصريف الاعمال، وقد تخلّفت عن ذلك الحكومات السابقة، وهذا أدخل هذه القضية الكيانية الوجودية في مربع الارتجال والديماغوجيا والشعبوية. لبنان معني بالدفع في اتجاه بناء سياسة عامة للعودة، يتعاون فيها على المستوى الاقليمي مع جامعة الدول العربية، وعلى المستوى الدولي مع الأمم المتحدة”.

شارك المقال