يا استقرار يا ديموقراطية!

الراجح
الراجح

أهم سمة من سمات واقعنا المتخلّف هي التراجع عن الأساسيّات، كالقضايا الحياتيّة والصحيّة والتربويّة والتعليميّة، واعتبارها أموراً ثانوية أمام التحديات الكبرى – كالمس بالطائفة أو المذهب أو تحديّات “العدو”، والذي يختلف تحديده بحسب كل طرف من الأطراف السياسيّة والحزبيّة والتابعين لهم (الملاحق)؛ إلا أنهم يلتقون ويتّحدون جميعاً على محاربة أسوأ هدفين أو كلمتين في القاموس السياسي وهما “التغيير والديموقراطية”. فترى العدو هم المهجرون من سوريا، وذلك بحسب رأس النظام الذي وقف قائلاً: إن أهم حسنة وأكبر إنجاز حقّقته الحرب السورية أنها فرزت المجتمع السوري بين فئة نقيّة منسجمة، وبين حثالة خرجت من البلاد!

في مكان ليس ببعيد عن سوريا، يرى بعض المقيمين، وهؤلاء غير المنتشرين، أن العدو هو المافيات الماليّة ومنظومتها السياسية، فيما يرى البعض الآخر أنّه إسرائيل.

وبناء عليه…

طوفان المجارير، وعلى امتداد مساحة لبنان الجغرافية، لا يُعْتَبَرُ شيئاً أمام اكتشاف نفق لـ “حزب الله”.

الشهادات المزوَّرة، وهي بالمئات، واغتيال التعليم لا شيء أمام المطالبة بإرجاع السوريين إلى بلدهم.

عدم انتخاب رئيس للجمهورية لا شيء أمام استدعاء حاكم مصرف لبنان للتحقيق.

فقر أهل البلد وعدم وجود مقومات اقتصادية حياتية لا شيء أمام محاولة البعض لإقالة الحاكم (رياض سلامة).

المناورة الأخيرة للحزب لا شيء أمام “مايوه” السيدة الصيداوية التي ضُبِطَت بالجرم المشهود وهي تسبح بلباس البحر!

نظرة سريعة إلى أعوام مرت بما فيها من محاولات للثورة على أوضاع وأنظمة، وإلى الانقلابات عليها وعلى كل ما سُمّيَ بالربيع العربي، والتي كانت للقضاء على العدو ومحوه (التغيير والديموقراطية)، لأن هذه الأهداف لا شيء أمام “الاستقرار”. هذا ما يريدون إفهامنا إياه في هذا الجزء من العالم، وبالتالي نحن في لبنان علينا، ولا بُدَّ لنا، أن نفهم أن رئاسة الجمهورية والحكومة المقبلة وكل السلطة بمحصّصاتها لن تكون إلا كمرآة لتقديس “الاستقرار”، وعلى حساب التغيير والديموقراطية…

أخيراً، أرى الذين يصرون على المكابرة من دون أي فعل أنهم سيصبحون كالجندي الياباني “أونودو” المتماهي باللبناني المهزوم في متراسه لعقود ينتظر عدواً لا يأتي ويرفض المنشورات التي ألقتها الطائرات المعادية، معلنةً استسلام بلاده، ثم يرفض تسليم سلاحه. وعندما يتحقق له صدق هذه المنشورات يصر على البقاء في كمينه، وعندما يضطر لمواجهة الواقع الأليم، يُصاب بصدمة نفسية حادة. فقد وجد نفسه فجأة، رجلاً بلا قضية.

شارك المقال