“الحزب” قد يستخدم “حلولاً أمنية” للخروج من مأزقه 

عبدالوهاب بدرخان

في الأساس تعامل “الثنائي الشيعي” (الطامح عبثاً الى لقب “الثنائي الوطني”) مع الاستحقاق الرئاسي باعتباره مواجهة وتحدّياً لمجلس نيابي لا يملك فيه غالبية. وقد اعتمد لذلك، حتى قبل أن يسمّي مرشحه سليمان فرنجية، استراتيجية تعطيل الانتخاب بـ “الورقة البيضاء” وتطيير النصاب بغية اطاحة المرشح الآخر أياً يكن. وبعدما أعلن مرشحه راح يطالب المعارضة بتسمية “مرشح جدّي” (لماذا اعتبر “الثنائي” ميشال معوّض مرشحاً غير جدي؟)، وعندما أُعلن “التقاطع” على ترشيح جهاد أزعور سارع الى اعتباره “مرشح مواجهة”، خلافاً للانطباع والصورة لدى الرأي العام اللبناني عن الرجل، وبذلك مهّد “الثنائي” لاطاحته هو الآخر في جلسة 14 الجاري، من دون أي مبرّر جدّي أو مقنع. لكن “حزب إيران/ حزب الله” يرفض أي مرشح لم يمتحنه مسبقاً ولم يتأكد من طواعيته ولم ينتزع منه اعترافاً علنياً بأنه “في خط المقاومة”، كما هي حال فرنجية الذي يعزّز ولاءه لهذا “الخط” بولاء للنظام السوري.

على عكس الطريقة التي سمّي بها أزعور في اجتماع نيابي علني افتتحه معوّض بإعلان سحب ترشيحه، وأُتبع ببيان سياسي لتبنّي المرشّح الجديد، تبدو العقلية والطريقة اللتين يقارب “الحزب” بهما الاستحقاق أقرب الى العصابات التي تعمل في الخفاء وإلى أساليب “مافيات” التهريب والترهيب. لا شك في أن الاجتماع النيابي أغاظ “الحزب”، ليس بالشكل والمضمون وحسب، بل خصوصاً بتأكيده أن الغالبية المطلوبة لانتخاب أزعور باتت مضمونة. أما مرشّح “المافيا” فينقصه الكثير كي يبلغ الـ 65 صوتاً في الدورة الثانية، علماً أن العديد من مصادر “الثنائي” روّج منذ شهور أن هذه الأصوات مؤمّنة لكن يُفضّل الذهاب الى الانتخاب بعد “التوافق”. وكان ذلك من الأكاذيب الكثيرة التي بثّت بهدف ترئيس فرنجية ولو بـ “التهريب”.

أصبح واضحاً الآن أن “الحزب” أو “الثنائي” أخطأ في الأساس عندما اعتقد أن في إمكانه تكرار سيناريو “ترئيس ميشال عون”، سواء لأنه لم يأخذ في الاعتبار أن عهد عون – وهو عهد “الحزب” نفسه – كان “كارثياً” بكل المقاييس، أو لأنه استخفّ بالعقول ولم يميّز بين فرنجية وعون كحصان مواجهة. وفي السياق برهن “الحزب” افلاسه، إذ لم يستطع تسمية سوى مرشّح واحد، معتقداً أن التزامه “الأخلاقي” يوجب عليه الوفاء لـ “صديق” مثل فرنجية يكفي لفرض ارادته، بل حتى لترويج خياره هذا بأنه هو وحده “التوافقي” ولتصنيف كل خيار آخر بأنه “تحدّ”. والواقع أن الإصرار على هذا الخيار يعني تمديداً للفراغ الرئاسي، وباتت الأطراف جميعاً، بما فيها تلك الخارجية، موقنة بأن “الحزب” وضعها أمام معادلة “فرنجية أو الفراغ”. فإذا استمرّ الفراغ يكون المستفيد الوحيد منه، أما إذا شعر بمزيد من الانزعاج من تعقيد الأزمة عليه فلا رادع يمنعه من اللجوء الى “حلول أمنية”. وفي هذا السياق تخشى الأطراف الخارجية ذهاب “حزب إيران” الى مواجهة “محدودة” مع إسرائيل لتخفيف الضغوط عليه.

منذ ما قبل الفراغ الرئاسي وبعده كان القرار الإيراني محسوماً: الرئيس يكون موالياً لـ “الحزب” أو لا رئيس. حاولت فرنسا تحسين شروط “التسوية” وفشلت، ولم يكن في إمكانها على أي حال أن تساهم في ترئيس فرنجية، ولا أن تقنع أحداً بتقويمها، لا المسيحيين ولا الفاتيكان ولا الولايات المتحدة ولا السعودية، بجدوى تسوية مع “الحزب” الذي استخدم الموقف الفرنسي من دون أن يمنحه أي ميزة هامش للمناورة. ستبقى باريس تحاول التوصل الى “توافق” في اطار المهمة الجديدة للمبعوث جان ايف لودريان لكن من دون أوهام، كونها لا تستطيع تليين تصلّب “الحزب” في شروطه الرئاسية. إن مراهنته على “استقطاب” فرنسا تراجعت منذ انكشاف التباين في الآراء بينها وبين بقية أطراف “الخماسية” (الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر).

ثمة ورقة لـ “الحزب” قد تظهر فاعليتها قريباً، وهي تتمثّل بوساطة أسدية طلبها ميشال عون خلال زيارته الى دمشق. إذ لم يكن الرئيس السابق ليقصد “صديقه” و”صديق فرنجية” في آن إلا لأن “التيار العوني” مستعد لتسوية يضمنها “الحزب”. من شأن هذه الورقة أن تغيّر المعطيات الرئاسية إمّا لمصلحة فرنجية، أو لمصلحة مرشّح ثالث، لكن بعد تمرير سيناريو تعطيلي آخر في جلسة الرابع عشر من حزيران. إذا صحّ أن المرشح الثالث هو زياد بارود يكون “الحزب” مال الى تسوية مع “التيار”، لكن هذا التوجّه لن يخدع أحداً في الداخل، والمؤكّد أنه لن يخدع أحداً في الخارج، إذ يُستخدم مرشّح وسطي “مستقل” للإيهام بأن “تغييراً” قد حصل وأن الأداء على المستوى الرئاسي سيختلف عما كان في عهد عون، إلا أن الخدعة مكشوفة منذ الآن، لأن انعدام الثقة بـ “التيار” موازٍ لانعدام الثقة بـ “الحزب”، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وعلى تمويل التعافي الاقتصادي.

بعد جلسة 14 حزيران تبدأ مرحلة جديدة في الأزمة الرئاسية، وهذا ما برّر تغيير الرئيس الفرنسي ادارته للأزمة وانتداب لودريان مبعوثاً “شخصياً”، فباريس تريد أن تكون موجودة في أي تسوية. لكن سيكون هناك نوعٌ من خلط الأوراق في هذه المرحلة وسيكون “المرشح الثالث” هو العنوان، أيّاً يكن، علماً أن “حزب إيران” أطلق إشارات قوية تدلّ على رفضه ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون. وعلى الرغم من أن الأطراف الخارجية تحاول التأثير بشكل أو بآخر، للتعجيل في انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تضع الإصلاحات وتنفّذها، مع الاستعداد لقبول ديبلوماسي للرئيس المنتخب، وإذا صُنّف موالياً لـ “الحزب” فإن التعامل معه سيكون حذراً ومتحفّظاً.

شارك المقال