إرهاب المثلية لا رهابها

أحمد عدنان
أحمد عدنان

قبل أسابيع، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مشهد قيام الشرطة الألمانية بانتزاع طفل من عائلة مهاجرة مسلمة بعد أن أفادت مدرسته “بأن الأسرة كانت تعلم الطفل أن المتحولين جنسياً ومثليي الجنس أمر غير مقبول في دين الإسلام”.

والحقيقة أن ما علمته الأسرة لطفلها صحيح 100%، فالدين الإسلامي وفق مرجعيته العليا والمهيمنة “القرآن الكريم”، حرّم المثلية بوضوح وصراحة، وأبلغ بأنها كبيرة – فاحشة {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)} [العنكبوت: 28-29]، وهذه الفاحشة – الخطيئة تستوجب عقوبة مباشرة من السماء لا من البشر {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 82-83]، ولا يستطيع في العالم الإسلامي اي فقيه أو حاكم أن يعارض القرآن قائلاً بأن الإسلام شرّع المثلية، أما التحول الجنسي فهو ليس خياراً في الإسلام إلا “في إطار الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة” التي شرحها فقهاء كثر كحالة “الخنثى غير المشكل” (ولا يتوقع من عامة المسلمين – ومنهم تلك الأسرة المهاجرة – أن تعلم تفاصيل هذه الأحكام خصوصاً وأن هناك باباً معروفاً في الفقه عن أحكام الخنثى المشكل والخنثى غير المشكل).

ربما حق للشرطة الالمانية في مدينة بريمرهافن أن تفعل ما فعلته إذا قامت الأسرة بتعليم طفلها معاملة المثليين بعنصرية أو حرّضت على العنف عليهم أو قتلهم، لكن الأسرة المهاجرة علمت طفلها ما تعلمه كل أسرة مسلمة لأطفالها في كوكب الأرض، ولا يمكن لمسلم أن يغيّر الإسلام أو يوافق على تغييره، سواء أعجب ذلك الشرطة الألمانية أو لم يعجبها، وسواء أعجب ذلك أنصار المثلية أو لم يعجبهم.

إن الأضرار النفسية التي وقعت حقيقة على هذا الطفل وعلى أسرته أفدح بكثير من أي ضرر محتمل أو متخيل نجم عن المشاعر المجروحة التي تصيب المثليين وأنصارهم جراء تفاجئهم من موقف الإسلام السلبي من المثلية، ومرة أخرى – بكل شفافية وهدوء -: الإسلام موقفه سلبي من المثلية، ولا يستطيع أي مسلم تغيير ذلك. لذلك – وبمنتهى الشفافية أيضاً – إن انتزاع هذا الطفل من أسرته – بسبب المعتقد الديني – هو إرهاب لا لبس فيه.

والحقيقة أن استهداف الموجة الملونة للأطفال خطر ومريع، ومن ذلك ما قرأته عن مشروع قانون جديد في مجلس ولاية كاليفورنيا الأميركية يستهدف معاقبة الوالدين الذين لا يعترفون بالهوية الجنسية التي يختارها طفلهم، فإذا قال طفل ذكر (عمره 5 سنوات مثلاً) بأنه فتاة، وجب على الوالدين معاملته كفتاة. وهذا يغفل أن هناك مرحلة سلوكية يقلد فيها الأطفال مجتمعهم أو أقرانهم بلا إدراك ولا رشد، وأيضاً يغفل أنه غير مسموح للأطفال باتخاذ أي قرارات تتعلق بتفاصيلهم اليومية من دون إشراف الأهل أو توجيههم بسبب عدم الأهلية والرشد، وما التربية حقيقة إلا إشراف وتوجيه أبوي يهتم باحتياجات الطفل النفسية والبدنية إلى حين قدرته على إدارة حياته، والطريف أن المواقع الإباحية لا تسمح للمستخدمين دون سن 18 (الأطفال) بتصفح محتواها ومع ذلك تريد ولاية كاليفورنيا السماح لأولئك الأطفال أنفسهم باتخاذ قرار حيال هويتهم الجنسية.

من الممكن أن تعمل الدول الغربية مع الأقليات المسلمة فيها على معالجة خطاب الكراهية ضد المثليين والمثليات، لكنها لن تجد شريكاً مسلماً يعمل معها على تغيير موقف الإسلام من المثلية، وإذا وجدت هذا الشريك فإن المسلمين أقله لن يأبهوا به وبخطابه، تماماً كما لو أن لاهوتياً مسيحياً تبنى وروّج الرواية الاسلامية عن صلب المسيح لدى مسيحيين “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ”.

هذه ليست دعوة للتمييز الوظيفي ضد المثليين، أو تحريض على العنف والقتل والتعنصر ضدهم، بل على العكس، فإذا كان أساس دعم المثلية في بعض الدول الغربية الدفاع عن حق الآخر في الاختلاف، فإن تطبيق هذه الرؤية يذهب إلى اتجاه معاكس تماماً في ما يتعلق برفض الآخر غير المثلي (السوي والطبيعي) وإرهابه وترهيبه والاعتداء على حقه في الاحتفاظ بسلوكه الفطري، ولا يراعي على الأقل التعاليم الصريحة للدين الإسلامي وقد أصبح المسلمون عنصراً عضوياً حقيقياً في الدول الغربية، والأخطر أنه يؤثر سلبياً على مستقبل العديد من الأطفال أياً كان دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو بيئتهم، كما أن هذا التطبيق يزيد العراقيل والصعاب على من يؤمنون بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان في مناطق لا تعترف بتلك القيم.

شارك المقال