لبنان دولة بالانابة ولا رئيس قبل انتهاء ولاية قائد الجيش

ليندا مشلب
ليندا مشلب

دخلت البلاد مرحلة الانتظار القاتل بعد أن سقطت فرص الانتخاب التي كانت متاحة خلال الشهر المنصرم بفلتة شوط تعداد من هذا الطرف أو ذاك، على الرغم من أن الجميع كان يعرف أنها مغامرة خطرة ضاعت بين غياب الاشارات الاقليمية بتعزيزها وتعثر التوافق المحلي حيالها، لكن المظلة المفروضة على لبنان لجهة الحفاظ على الاستقرار الأمني فيه بقيت مفتوحة، بحيث أكد مرجع أمني رفيع لموقع “لبنان الكبير” أن الأمن ممسوك ليس بسبب صمود الأجهزة الأمنية فحسب، بل بسبب تقاطع اقليمي دولي محلي بعدم الذهاب الى أي توتر قد يأخذ الأمور الى الانزلاق، مستبعداً أن يطرأ أي تطور سلبي في المفهوم الأمني حتى أن جريمة القرنة السوداء انحسرت والتحقيق سيأخذ مجراه بعد التأكد من أن لا ذيول مخططات لها بتعكير الأجواء أو اشعال نار فتنة.

وبحسب المصدر، فإن الخطورة ستأتي من مكان آخر هو اتساع رقعة الفراغ التي تصيب مناصب الدولة على كل المستويات وخصوصاً الأمنية منها الى جانب الحاكمية التي يدق الفراغ بابها آخر الشهر الحالي، وسط ضبابية تلف المشهد بعد أن رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أي علاقة خفية له بالمصرف المركزي اثر انتهاء ولايته ولو كانت استشارية. كما أن الكلام عن احتمال القيام بتعيين من حكومة تصريف الأعمال تراجع الى حد صرف النظر نهائياً، اذ يرفض الثنائي الأمر رفضاً قاطعاً، ويصر رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن هذا التعيين هو من الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية وحق مقدس له لا يجب المساس به. ويغمز البعض من قناة اصرار سلامة على الخروج وادارة الظهر أولاً لأن أحداً لم يعطه ضمانات كان تردد أنه طلبها بعد العاصفة القضائية التي هبت في وجهه، وثانياً لأنه يريد أن يعرف الجميع قيمته وأهمية الدور الذي قام به خلال الأزمة بفرملة الانهيار أكثر من مرة وادارة العملية النقدية بالأدوات الدنيا المتاحة وبأرانبه وأسراره وهندساته، وبسلطته على الصرافين والمصارف في بلد مفلس ومنهار بحيث أصبح حاكم البلد والمصارف بسيطرته على اللعبة.

وعليه، فإن النائب الأول وسيم منصوري سيتسلم بالانابة ويكون ثالث موظف دولة يتسلم مركزاً حساساً بالانابة بعد الفراغ في رئاسة الأركان ومديرية الأمن العام، مع العلم أن منصوري عاد من جولة له في واشنطن تاركاً وراءه انطباعاً بأنه غير متحمس لهذا الدور الذي يشعر بثقله خصوصاً أن الموقف من “صيرفة” التي تعتبر الحجر الذي يسند التهاوي الدراماتيكي للعملة الوطنية، يتفاوت بين نواب الحاكم أنفسهم وعلى خط الحكومة والمصارف وصندوق النقد، فهناك من يعتبرها اجراء سيئاً للغاية وكان الرئيس نجيب ميقاتي قد طلب وقفها أكثر من مرة كونها تكلف الدولة من خلال عملية الدعم التي يقوم بها المصرف، وقد انتقدها صندوق النقد انتقاداً لاذعاً ورأى فيها استمرارية للسياسة النقدية الخاطئة التي أدت الى الأزمة، فالصندوق معروف أنه دائماً مع تحرير سعر الصرف، وكل من يحبذ صندوق النقد سيدعم هذا المطلب.

الرئاسة الى العام ٢٠٢٤

ومع تراجع الاهتمام بالملف الرئاسي والتشكيك بفاعلية الدور الفرنسي في التوصل الى حل، تتقاطع المعطيات المتوافرة حول فراغ طويل ربما يذهب الى العام المقبل. وتشير بعض المعلومات الى أن الكلام الجدي بالرئاسة سيرحّل مبدئياً الى ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون في العاشر من كانون الثاني، فيخرج من السباق تلقائياً وتتعزز حظوظ سليمان فرنجية مجدداً (جهاد أزعور أنهى تجربته الرئاسية وعاد الى عمله وأبلغ المعنيين أنها كانت محاولة وخلصت طالباً إخراج اسمه من التداول) والخيار الثالث لا هوية له ولا حتى رسم تشبيهي. لكن السؤال هل يحتمل البلد هذه المرة كل هذا التأجيل؟ فالفراغ يتمدد وتباعاً سيتقاعد اللواء الياس البيسري على رأس الأمن العام بالانابة أواخر هذا العام، يليه قائد الجيش في كانون الثاني، ثم مدعي عام التمييز آخر شباط وبعد شهرين المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وكلها مراكز حساسة وستتداخل الأعراف ببعضها البعض كون الانابة ستخلط التوزيع الطائفي للمراكز، وكل طرف لديه حساباته الخاصة إن في المطالبة بالتعيين أو في ترك الأمور الى الانابة علماً أن القوى الأساسية ترفض التعيين و”التيار الوطني الحر” هدد كما القوى المعارضة أكثر من مرة بقلب البلد اذا ما أقدمت الحكومة على هذا الأمر.

هكذا سنتحول الى دولة بالانابة والفراغ الطويل لن تحمد عقباه، فلبنان منذ سنتين ليس كلبنان الآن وكل وقت اضافي يمر تتحلل فيه الدولة أكثر، لا أموال ولا مؤسسات ولا نظام مصرفي يعمل بطريقة صحيحة والديون تتراكم والقول ان “الناس عايشة وماشي الحال” مقولة لا تستقيم، في النهاية هناك بلد، اما فيه دولة أو لا دولة والواقع كما هو عليه اليوم يؤكد أن الطريق مسدود والكل يترقب بعض المحطات التشاورية الخارجية التي ستقوم بها فرنسا مع بعض الدول وفي مقدمها المملكة العربية السعودية وسط احتمالات ضئيلة بالانفراج.

شارك المقال