لم يرشح عن اجتماع وزراء دفاع دول الناتو في بروكسل إلا بعض التفاصيل العامة وهذا يفترض حسب الكاتب والمحلل هارلان أولمان المزيد من الترقب قبل حسم ما إذا كان الناتو سيتحرك بسرعة أكبر لدعم أوكرانيا ودعوتها للانضمام إلى الحلف في وقت أقرب، عوضاً عن انتظار حلول “الوقت المناسب”. كما من الطبيعي أن يتركز الاهتمام على السياسات والاجراءات المستقبلية تجاه روسيا، خصوصاً في ظل الغموض المحيط بمفاعيل نهج بريغوجين وتمرد “فاغنر” والقنبلة التي فجرها الرئيس البيلاروسي مع إعلانه أن زعيم المجموعة موجود في سانت بطرسبرغ حيث داهمت الشرطة الروسية منزله.
فهل يقلص ذلك من التركيز الحالي على روسيا وأوكرانيا؟ يعيد البروفيسور أولمان التذكير في مقاله بموقع “ذا هيل” الالكتروني “بالمادة 5 والتي تنص على أن الحلف سيعتبر أي هجوم ضد احدى الدول الأعضاء كهجوم على الجميع. فهل يمكن لحلف الناتو أن يجد نفسه مثلاً في حالة حرب مع الصين؟ قد يبدو هذا الأمر مستحيلاً وغير قابل للتصور ولكن الحقيقة مغايرة تماماً. فلنعد قليلاً في التاريخ وتحديداً إلى العام 1964، عندما زُعم أن قوارب الطوربيد الفيتنامية الشمالية هاجمت مدمرات البحرية الأميركية، وإلى العام 1982 حيث غزت الأرجنتين جزر فوكلاند وكانت في حالة حرب مع المملكة المتحدة، حينها لم تطبق المادة 5. تطبق هذه المادة فقط عندما يتعرض أعضاء الناتو للهجوم داخل مناطق خطوطه التوجيهية في أميركا الشمالية وأوروبا. في أيلول 2001 وبعد هجوم القاعدة، استند حلف الناتو للمرة الأولى والوحيدة الى المادة 5.
كان الناتو في حالة حرب في أفغانستان، وبدلاً من صد هجوم سوفياتي عبر الحدود الداخلية الألمانية، خاض حملة لمكافحة الإرهاب والتمرد ضد عدو يفتقر إلى جيش منظم في أفغانستان. كيف إذن يمكن أن ينجر الناتو إلى حرب مع الصين؟ تايوان ستكون السبب المحتمل والشهير. لقد أعرب الأدميرالات والجنرالات الأميركيون عن قلقهم علناً من أن الصين قد تحاول خلال هذا العقد، الاستيلاء على الجزيرة. واستخدمت العديد من المناورات الحربية التي أجرتها مراكز الأبحاث في واشنطن هذ لفحص النتائج المحتملة. في كل حالة من الأحوال، ستتكبد كل من الولايات المتحدة والصين خسائر فادحة للغاية.
ماذا سيفعل الناتو؟
وقد يؤدي أحد السيناريوهات إلى تفعيل المادة 5 بحيث تفرض الصين حصاراً بحرياً وجوياً حول تايوان وتصدر أمراً بحظر الطيران أو الإبحار في نطاق 50 ميلاً من تايوان. ثم ترسل الولايات المتحدة مدمرتين في ممارسة لحرية الملاحة. تأمر البحرية الصينية المدمرات الأميركية بعكس مسارها، فلا تستجيب هذه الأخيرة. يتم تبادل الطلقات التحذيرية، ويؤدي ذلك إلى مزيد من التصعيد. تتعرض سفينة حربية صينية لضربة، والطائرات المقاتلة الصينية تهاجم السفن الحربية الأميركية. تسقط طائرتان مثلاً، وتتعرض إحدى المدمرات الأميركية لأضرار بالغة.
مع تصاعد التوترات، تطلق الصين صواريخ على غوام وهاواي كتحذير. تسقط الصواريخ في المحيط لكنها قريبة من اليابسة. ترد الولايات المتحدة. أخيراً، كما تتخيل إحدى الروايات، تشن الصين (في هذه الحالة) ضربة صاروخية تقليدية على الولايات المتحدة القارية ضد صومعة للصواريخ وتدمرها.
في كلتا الحالتين ماذا يفعل الناتو؟ تنطبق المادة 5 بوضوح. بينما لا يتم الاعلان عن حالة حرب من الولايات المتحدة أو الصين، تفرض حالة من الأعمال العدائية. وحتى إن لم تستجب الولايات المتحدة، تستخدم شرط الدفاع 1 وتضع قواتها الإستراتيجية في حالة تأهب قصوى وتنشر جميع غواصاتها الاستراتيجية وغير الاستراتيجية. لا شك في أن أجندة قمة فيلنيوس مزدحمة للغاية بحيث لا يمكن التفكير في احتمالية حدوث مثل هذا السيناريو حول خوض الناتو حرباً مع الصين. لكن هذا لا يعني أن هذا السيناريو غير وارد بصورة قاطعة”.