في إنتظار… لودريان!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

في إنتظار عودة لودريان إن عاجلاً أم آجلاً – بعكس غودو بغض النظر عما سيحمل – يتخبط لبنان في أزمات لا تنتهي تضعه في “قرنة سياسية سوداء”، بدءاً من القرنة السوداء الطبيعية في الشمال عبر الجريمة التي كادت – لولا بعض من عقل وعقلاء – أن تشعل فتنة، إلى الحدود الجنوبية التي تشهد توترات خطيرة من نصب خيم لـ “حزب الله” في مزارع شبعا، إلى موضوع “ضم” الجزء اللبناني من قرية الغجر وصولاً الى المناوشات التي حصلت بالنار على خلفية هذه التطورات، مروراً بالحوادث الأمنية المتنقلة من طرابلس إلى الهرمل فبر إلياس وبرج البراجنة، فضلاً عن البيان – القنبلة الذي أصدره نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، وهددوا فيه بالاستقالة الجماعية، مطالبين بتعيين حاكم جديد مع إنتهاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة.

واللافت أن هذا البيان جاء بعد عودة النائب الأول للحاكم الذي من المفروض أن ينوب عنه في المنصب، من زيارة الى الولايات المتحدة الأميركية التي يعتبر منصب حاكم مصرف لبنان تقليدياً “محسوباً عليها” – إذا صح التعبير – وهو ما يشي بأن البيان قد يكون رسالة أميركية لمن يعنيهم الأمر، وقد يكون ورقة ضغط أو حث من ضمن الرسائل والضغوط المتبادلة بين الأطراف المعنية بالأزمة اللبنانية على خلفية الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يضع التطورات في الجنوب في الخانة نفسها من التفسير، ما دام أهل الحل والربط في لبنان قد إرتضوا له دور الساحة أو “ساعي البريد” الاقليمي.

في هذه الأثناء، يمضي اللبنانيون أوقاتهم في إستقبال المغتربين القادمين لقضاء فصل الصيف في ربوع بلدهم وتفقد أهاليهم، وهو ما يعوِّل عليه البعض لإنعاش الوضع الاقتصادي والمالي للناس ولو نسبياً، بينما يتلهى المسؤولون من سياسيين ودينيين وفي محاولة منهم لتقطيع الوقت الضائع، بطرح صيغ وأفكار للخروج من الأزمة من دون شروح تطبيقية لهذه الأفكار ما يجعلها غير عملية في الواقع. فبينما يطرح الطرف “الأقوى” على الأرض الحوار كحل لكل المشكلات متجاهلاً تجارب الحوار السابقة التي لم يلتزم هو بنتائجها والدلائل على ذلك كثيرة، يطرح البعض المؤتمر الدولي والحياد كحل، يقابله طرح آخر يقوم على التأكيد على التطبيق الكامل والأمين لاتفاق الطائف، فيما يذهب البعض الآخر الى طرح الفديرالية كحل من دون أن يشرح هذا البعض أيضاً كيفية تطبيقها على أرض الواقع، ما يجعل من هذه الصيغ في الحقيقة مجرد طروح بعيدة كل البعد عن الواقع، ومحاولة للهروب من مواجهة القضية الأساس التي تواجه لبنان واللبنانيين ألا وهي قضية السلاح وفائض القوة التي يتمتع بها أحد أطراف المعادلة داخلياً، ومدى تأثير هذه الوضعية على قرار الحرب والسلم في البلد وكذلك على علاقات لبنان مع محيطه العربي من جهة، ومحاولة تثبيت هذه المعادلة عبر فرض رئيس للجمهورية ولو بـ “الحوار” على بقية أطراف المعادلة من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل الأمور تراوح مكانها من دون أي أفق للحل الداخلي، وهو ما يجعل من إنتظار عودة لودريان أمراً لا مفر منه. وفي الانتظار على اللبنانيين أن يتوقعوا كل يوم تطورات جديدة بأغلبها سلبية، على أمل أن تبقى الأمور مضبوطة وأن لا تفلت من عقالها نتيجة الانسداد، الذي إذا ما إستمر فقد يدفع الأمور إلى الانفجار المحتم أقله للتنفيس بغض النظر عن طبيعة هذا الانفجار ومداه ومفاعيله، خصوصاً مع تمدد الفراغ إلى المناصب التي تمثل عصب الدولة كحاكمية مصرف لبنان والمناصب العسكرية والأمنية التي بدأت تفرغ الواحد تلو الآخر، فهل تكون “الرسائل والضغوط المتبادلة” سواء في الداخل عبر سيف الفراغ في المناصب الحساسة، أو على الحدود الجنوبية عبر التصعيد الميداني في ظل الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسيلة للحل السياسي أم وسيلة للتفجير ليبنى على الشيء ونتائجه مقتضاه؟

شارك المقال