“الخماسي” يفرمل الوصايات: “الاستحقاق لبناني يا سادة”

محمد نمر
محمد نمر

هي المحطة الخارجية الأولى، التي يحضر فيها المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار العلولا اجتماعاً معلناً ومصوراً بصفته الجديدة بعد الترقية التي حظي بها من المملكة جراء نجاحه في الملفات المسؤول عنها ومنها لبنان، مترئساً وفد بلاده في الدوحة وضم سفيري المملكة في قطر الأمير منصور بن خالد بن فرحان وفي لبنان وليد بخاري.

وفي الصورة التي وزعتها الوكالة السعودية للأنباء “واس”، نستنتج الرسالة الأولى التي سبق لموقع “لبنان الكبير” أن اشار إليها، بأن الترقية للعلولا لم تغيّر من كونه المكلف الرسمي والأول عن ملف لبنان بالنسبة إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. رسالة يمكن الانطلاق منها إلى معاني البيان الذي صدر عن “اللقاء الخماسي” (السعودية، أميركا، قطر، مصر وفرنسا)، ومنه يمكن فهم السياسة السعودية وبيان “الخماسي” تجاه لبنان. أما السياسات الفردية فلكل بلد طروحه، لكن الأكيد من دون المملكة صانعة الاستقرار في المنطقة لا يمكن الجزم بنجاح أي طرح.

فبعدما كانت القوى السياسية تنتظر اشارة تبني عليها مستقبل الاستحقاق الرئاسي بين “خاسر ورابح”، منتظرة صعود أرصدة مرشح على آخر، وبعدما تمسك البعض بقشة “الحوار المفخخ”، جاء البيان لـ “الخماسي” خالياً من دسم الحوارات غير المجدية ومن الأسماء المتداولة، معيداً الملف إلى مكانه الصحيح وهو مجلس النواب اللبناني.

هي المرة الثانية التي تسدد الديبلوماسية السعودية وبموافقة الدول الأخرى ضربتها تجاه أي مخطط لفرض وصايات على لبنان أو دفعه نحو خيارات غير متزنة، قوامها “البيع والشراء” أو “جيبوا رئيس بأي ثمن”.

سبق أن أسقطت الديبلوماسية السعودية طروح الماضي القائمة على “المقايضات” بين رئيس جمهورية ورئيس للحكومة، على قاعدة “سليمان – نواف”، وغيّرت الادارة الفرنسية ممثليها في متابعة الملف مكلفة الوزير جان ايف لودريان لتنسجم مع الطرح العقلاني السعودي.

واليوم أيضاً تسقط كل الطروح القائمة على التدخل في الشأن اللبناني بطرح ظاهره “حوار برعاية دولية” وباطنه “انقلاب على الطائف ومحاصصة وتسويات هجينة” أقله وفق بعض القوى اللبنانية وليس الرعاة.

وهذا لا يعني اطلاقاً أن لودريان يسير على طريق “دوريل – بون”، فهو أيضاً لمس من جولته في لبنان أن “اللبنانيين أساساً غير مستعدين للحوار”، وأكثر من شخصية سياسية وافقت على الحوار لكن ليس على مواقع يتم انتخابها في مجلس النواب، وإلا لماذا الانتخابات النيابية؟ ولمَ النظام برلماني؟ فالشعب انتخب ممثليه لينتخب الممثلون رئيس جمهورية ويكلفوا رئيس حكومة، لا أن يقوم الخارج بهذا الدور. بمعنى واضح لا لـ “دوحة ٢”.

الموقف السعودي واضح بين أسطر البيان الرسمي الذي نشرته “واس” وكان بتوقيع الدول الخمس والخريطة واضحة:
– رئيس جمهورية لبنان يُنتخب في البرلمان اللبناني فقط وليس في أي مكان آخر، وذلك وفق الأطر الدستورية.

– رئيس الوزراء يتم تكليفه باستشارات ملزمة لرئيس الجمهورية ولا يأتي ضمن تسويات محاصصاتية أو بشروط مسبقة.

– إن استقرار لبنان وأمنه منذ العام 1989 أرساه “اتفاق الطائف”، وإن عدم تطبيق بنود الاتفاق وبفعل التجاوزات الدستورية وقع لبنان في فخ تخريب المسارات الدستورية في البلاد.

– إن القرارات الدولية والعربية كانت ملزمة للأطراف في لبنان وعدم تطبيقها أوصل البلد إلى ما هو عليه الآن.

وكان واضحاً أن مواصفات الرئيس التي وضعت في البيان تعيدنا إلى المواصفات التي حددها السفير بخاري، شاغل اللبنانيين بتغريداته، في جولته الأولى على المسؤولين اللبنانيين، قبل استقباله رئيس “المردة” في منزله في اليرزة. مع التذكير بأن بخاري لم يزر بنشعي حتى اليوم. كما أن المواصفات ليست حكماً مبرماً ففي نهاية المطاف اللبنانيون وحدهم يقررون هوية رئيسهم.

مواصفات الرئيس تعطي خريطة واضحة للنواب اللبنانيين ليختاروا وفق ضمائرهم الشخصية المناسبة لهذا الموقع، والمملكة على الرغم من وضعها المواصفات فهي في كل الأحوال تحدد سياستها تجاه لبنان بناء على أداء رئيسي الجمهورية والحكومة، رافضة الدخول في لعبة الأسماء أو المقايضات أو السلل، فهذا “شأن لبناني يا سادة” ولكل استحقاق مندرجاته الدستورية.

وبالتالي، فإن أي حكومة واجب عليها وضع المعايير المطلوبة لعودة العصر الذهبي للبنان، وينطلق ذلك من الالتزام باتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية والبدء برحلة التعافي باصلاحات تواكب متطلبات صندوق النقد الدولي، اضافة إلى صون العدالة عبر القضاء ومنها ملف تفجير المرفأ.

لا تتعاطى المملكة مع النواب اللبنانيين على قاعدة الوصاية ولا الترهيب ولا الوعيد، فهم أحرار في اختيار رئيس جمهوريتهم، وهم من يتحملون مسؤولية خياراتهم أمام ناخبيهم، وليس أي دولة صديقة، لكن في الوقت نفسه أمام ما تشاهده هذه الدول من حالة فوضى يعيشها لبنان، فأهم ما في نص البيان هو مناقشة اجراءات يمكن اتخاذها بحق معطلي الاستحقاقات الدستورية أو المعرقلين.

ليست المرة الأولى التي يناقش فيها المجتمعون خياراً كهذا، فباريس تشهد على نقاش حول أشبه بعقوبات، لكن كان دائماً من الخيارات المستبعدة افساحاً في المجال لاتمام الاستحقاقات بعد بيانات عربية ودولية عدة ورسائل مباشرة وغير مباشرة تطالب القوى اللبنانية بالاسراع في انتخاب رئيس.

وبعدما تجاوز الشغور مدة الـ 8 أشهر و”فالج ما تعالج”، وأمام الأزمة التي يعيشها الشعب اللبناني، اكتفت هذه المرة الدول بوضع الاشارة في البيان بصورة رسمية. فكل نائب يتحمل مسؤوليته في تحديد من يريد، أما تعطيل الاستحقاق فيعني تعطيلاً للبلاد ومصالح اللبنانيين العرب ويومياتهم وطموحاتهم من دون أن تتحمل القوى أمام المجتمع الدولي أي مسؤولية. وبالتالي أعيدت الكرة إلى الملعب اللبناني، وتحديداً مجلس النواب، فجلسات متتالية لانتخاب رئيس وفق الدستور كافية لايصال شخصية نزيهة إلى قصر بعبدا ويليها تكليف رئيس حكومة باستشارات نيابية ملزمة، ومن حق رئيس الجمهورية حينها من موقعه كحكم أن يدعو القوى اللبنانية إلى حوار يحمي “الطائف” ومستقبل لبنان ويوفّق بين اللبنانيين، لتكون المصلحة قائمة على لبنان والشعب أولاً…
هي رسالة لا تحتاج الى فلسفة: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم. وضعوا مصلحة لبنان على مصالحكم الشخصية والمحاصصاتية والطائفية.

شارك المقال