“حزب إيران” يريد “الحوار” منصةً لتوجيه تهديداته

عبدالوهاب بدرخان

قبيل أن يرشق وئام وهاب زميله في حلقة “صار الوقت” سيمون أبو فاضل بكوب الماء، قال له في سياق النقاش “أنا صحافي (غلط) وأنت صحافي (صحّ)”. منذ زمن لم يعد الأول صحافياً وانما نقّال حكي ثرثار، ومن أدعياء “السياسة” و”الصحافة” في الزمن الرديء يتنقّل مع فرقة بلطجية مرافقة، وقد زادت “صرمايته” من نجوميته، وكلّما تماهى معها وصمت الاعلاميون متى استشهد بها أمامهم كلّما ظن أنها سر “استهضامه” من جانب جمهور بات يشبهه، على الرغم من أنها سرّ احتقاره من جانب الجمهور الأوسع الذي لا يعرف لماذا تفرض عليه الشاشات مثل هذه النماذج من المخلوقات. الأمر الجيّد الذي بُثَّ على الهواء مباشرة أن صاحب “الصرماية” صار معروفاً الآن على حقيقته، والفضل في ذلك للصحافي المحترم سيمون أبو فاضل الذي وضع “ثقافة الصرماية” في حجمها الطبيعي.

ماذا لو كان “الحوار” على شاشة الـ “ام تي في” أشبه بـ “بروفة” لـ”الحوار” الآخر المقترَح لحلّ أزمة الفراغ الرئاسي، خصوصاً أن معرقلي انتخاب الرئيس تلقّوا “تحذيراً” من اللجنة الخماسية بأنهم سيعرّضون أنفسهم لعقوبات. وكان مجرّد ذكر العقوبات هو ما كهرب جو النقاش واستفزّ البلطجية. وجه الشبه بين الحوارَين أن أحد الطرفين أو الأطراف المشاركة فيه هو رائد “ثقافة الصرماية” وصانعها ومموّلها ومروّجها وحاميها على أن يمارسها أزلامه في السياسة، فيما يظهر ممثلوه المباشرون عفيفي اللسان بالكاد يقولون عن الوثائق التي يتم التوافق (والتوقيع) عليها “فليبلّوها ويشربوا ميّتها”، وبالكاد يقولون أنهم لن يسلّموا القتلة والمجرمين “ولو بعد 300 سنة”.

لا شيء مستبعداً. لكم أن تتخيّلوا “حواراً” يُقبل عليه “حزب إيران/ حزب الله” متمسّكاً بمرشّحه للرئاسة. لكن، قبل ذلك، لكم أن تصغوا جيداً الى ما يقولون بأنهم يريدون “الحوار” لـ “شرح” أسباب ترشيحهم سليمان فرنجية و”اقناع” الآخرين به، ولا يعترفون بأن هناك مرشّحاً آخر يمكن اقناعهم به. لقد بالغوا في تسويق الرجل الى حدّ أنهم بالغوا أيضاً في الإساءة اليه. إذاً، تخيّلوا أن يتدحرج “الحوار” من المواصفات الى أسباب رفض هذا المرشّح، وهناك الكثير منها، ولا علاقة لها بشخصه بل بانتمائه وخياراته السياسية، فهل يمكن أن يكون الردّ أقل من التراشق بأكواب الماء. إذا قُيّض لحوار كهذا أن يُعقد فمن الضروري التفتيش الجسدي الدقيق للمشاركين قبل الدخول، ومن الحكمة استخدام أكواب بلاستيكية وحظر أي أدوات صلبة على الطاولة.

الخبر الجيّد الذي لم يتأكّد بعد أن هذا “الحوار” بات مستبعداً. ومنذ الدعوة الى “الحوار الصادق”، كما وردت في بيان مشترك لـ”الثنائي الشيعي”، لم يخطر في بال طرفَيه أن مجرّد التبرّع بوصفه بـ”الصادق” يثير كل الاشتباهات بدل أن يحقق الغاية المنشودة. ربما أراد “الثنائي” تقديم “الدعم” لما انتواه المبعوث الرئاسي الفرنسي في استخلاصه نتائج استطلاع مواقف الفرقاء في الفصل الأول من مهمّته، لكن الدعم انقلب الى عكسه تماماً، فلو كان “الحوار” ممكناً ومجدياً وقادراً على حلّ المعضلة المشكو منها لما انتظر مجيء جان ايف لودريان ونصائحه. كيف يُراد لطلب “حزب إيران” أن يُلبّى وهو مسبوق بالقول إن “لا رئيس من دون موافقة الحزب” الذي لديه ترسانة أسلحة وصواريخ وليست لديه غالبية برلمانية أو شعبية، وبالتالي فإنه سيستغلّ “الحوار” لتوجيه التهديدات بشكل مباشر. وكيف يُراد للآخرين أن يُقبلوا على “الحوار” وهم جرّبوا “الحزب” سابقاً ويعرفون أنه ينقض تعهّداته، ففي حالٍ كهذه لن يُترك لهم سوى خيار وحيد هو الرضوخ، ما يعني تكريس تسليم الرئاسة اللبنانية، والسيادة والشرعية والسلطة، الى المشيئة الإيرانية.

لا اللبنانيون يريدون ذلك، ولا أصدقاء لبنان من عرب وغير عرب. وهذا ما ظهرت ملامحه في بيان “خماسية الدوحة”، خصوصاً في تنبيهه الى الاصلاحات التي “لا مفرّ منها لتحقيق ازدهار البلد واستقراره” وتشديده على “الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون لا سيما في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت”، وبالأخصّ في تأكيده أهمية تنفيذ لبنان قرارات مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية “بالإضافة الى التزام وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان”. فبهذه العبارات المقتضبة ترتسم خريطة طريق سياسية لأي رئيس للجمهورية. وما أوجزه بيان “الخماسية” ولم يسمّه، أفصح عنه الأمين العام للأمم المتحدة وفصّله في أحدث تقرير له عن عدم تطبيق القرار 1701، إذ قال إن “إبقاء حزب الله وجماعات أخرى أسلحتها خارج سيطرة الدولة لا يزال يشكل انتهاكاً للقرار 1701 ويحدّ من قدرة الدولة على ممارسة سيادتها وسلطتها الكاملتين على أراضيها”.

جرى تشبيه بيان “الخماسية” بمواقف فريق “14 آذار” كي يبرّر ضمنياً رفضه وتسفيهه. لكن هذا البيان استوحى الدستور اللبناني الذي يلزم أعضاء مجلس النواب بـ “مسؤولية” انتخاب رئيس في أسرع وقت، ولم يفرض شيئاً من خارجه. أما عدم اشارته الى “الحوار” فلا يقصي امكان حصول “تسوية” يمكن التوافق عليها بحوارات جانبية، إذا ما احتُرمت المواصفات التي تفرضها ظروف الأزمة الاقتصادية والسياسية لا تلك التي يمليها “حزب إيران” من أجل “حماية ظهره”. وإذ حرصت “الخماسية” على الدعوة الى انتخاب رئيس “يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول” فإنها تسترشد بمعاناة اللبنانيين وحاجاتهم الملحّة، كما بالعقل السليم، وليس بمواقف “14 آذار”، ولو كان في مواقف “8 آذار” ما يمكن الاسترشاد به لما أمكن تجاهله. أما التلويح بـ”إجراءات” ضد أولئك الذين يعرقلون انتخاب رئيس فلا يعني بالضرورة “عقوبات” كالتي عُرفت حتى الآن ضد “حزب إيران” الذي يلتفّ عليها بالاقتصاد الموازي، وإلا فإنها ستكون بلا معنى ولا جدوى. الأهم في هذا المجال أن “الحزب” فهم بشكل نهائي أن رئيساً غير مقبول من “الخماسية” يعني مزيداً من التوريط له في الأزمة، وليتحمّل عندئذ المسؤولية إن استطاع.

شارك المقال