مؤامرة على الشيعة العرب

أحمد عدنان
أحمد عدنان

هناك مؤامرة بالفعل على الشيعة العرب، ومن يقف خلفها ليست السعودية أو الولايات المتحدة كما يزعم البعض. المؤامرة على الشيعة العرب بدأت سنة ١٩٧٩ بقيادة الجمهورية الإسلاموية الإيرانية ولا سواها.

أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان المجرمين سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذه الإدانة هي المفتاح لفهم المشروع الإيراني، كان من الممكن أن يكون “بطل” الإدانة اسماً إيرانياً، لكن لماذا تعرّض إيران أبناءها لخطر الموت أو الملاحقة إذا أمكن تعريض غيرهم، ولو كانوا شيعة؟

قد يقول قائل إن إيران فقدت بعضاً من مواطنيها في سوريا وفي العراق وفي اليمن، وهذا صحيح، لكن بمنطق النسبة والتناسب وكذلك بالمنطق العددي، سنكتشف بمقارنة عدد قتلى إيران مع عدد قتلى الشيعة العرب أن الفارق مهول، وهذا يعني أن إيران لا ترسل أبناءها إلى ساحة القتال إلا إذا تعذر إرسال غيرهم، أو إذا لم يكف إرسال غيرهم.

في السجالات الدورية بينها وبين الغرب تقول إيران إنها إذا تعرضت لضربة فستشعل المنطقة، وتقول أدواتها في لبنان والعراق واليمن إن تعرض إيران لضربة يعني إشعال المنطقة، لكن ولا مرة قالت إيران إن تعرض أدواتها العربية إلى ضربة يعني إشعال المنطقة، والشاهد على ذلك الضربات المنتظمة التي يتلقاها أتباعها في سوريا، السبب أن إيران اخترعت هذه الأدوات كي تقتل أو تُقتَل نيابة عنها، أما في اقتسام الغنائم فليس لهؤلاء غير فتات الفتات، لتكون الخيانة مجانية لوجه الولي الفقيه. ألم يكن طريفاً ولافتاً أن الأمين العام لميليشيا “حزب الله” كان آخر من يعلم عن اتفاق بكين بين السعودية وإيران؟

تنظر إيران إلى العرب بتعالٍ تماماً كالصهاينة والترك. قبل نحو 15 عاماً، شنت الصحف الإيرانية هجوماً لاذعاً على الأمين العام لميليشيا “حزب الله”، والسبب أنه قال إن مرشد الثورة الإسلاموية (علي خامنئي) من آل البيت، وبالتالي هو من أصول عربية، فغضب الإيرانيون وامتعضوا من هذه البديهة، وربما كان خامنئي أولهم.

يوماً ما ستنكفئ إيران خلف الخليج، ولن يبقى للشيعة العرب، وأقصد تحديداً أولئك الذين انخرطوا في المشروع الإيراني، فوق خسائرهم البشرية والمادية والملاحقات القضائية، سوى إرث من الحقد والثأر بينهم وبين محيطهم.

لنضرب مثلاً: كيف سيتعامل – مستقبلاً – السوري الذي فقد والده أو أخاه أو جده مع شيعة لبنان؟ صحيح أن التعميم خاطئ، وصحيح أن العنصرية مدانة، لكن مشاعر الكراهية لا تقبل لغة المنطق، ومعالجتها بحاجة إلى عقود.

لقد شارك “حزب الله” في قتل ملايين السوريين وتهجيرهم، وفي أقرب فرصة، سيهب السوريون لتحصيل ديْنهم وحقوقهم، ولن يدفع “حزب الله” ثمن خطاياه منفرداً، لقد أقحم جمهوره بالفعل في خطاياه، والأخطر أنه ربما أقحم معارضيه رغماً عنهم، وقد يستمر ذلك طويلاً، ولا مسؤول عن هذه المأساة المستقبلية إلا المشروع الإيراني البغيض. أراد هذا المشروع إذلال السنة وتدمير الدولة العربية، لكنه حقيقة – رغم الانتصارات الوهمية والغوغائية – سار في الاتجاه المعاكس: تدمير الشيعة العرب.

أدوات إيران تخاطب جمهورها بالأضاليل لتشريع الخيانة، كالاضطهاد والحرمان، وكأن سنة المنطقة يعيشون في دول اسكندنافية تستثني جيتوهات الشيعة، إذا تحدث أهل جنوب لبنان – مثلاً – عن الحرمان ماذا يقول أهل عرسال وعكار والمنية الضنية؟! والحديث عن ذريعة التكفير للالتحاق بإيران وهم أكبر، فإرهاب “داعش” و”القاعدة” حالة شاذة في المجتمعات السنية والسنة هم أول وأكبر المتضررين، أما الإرهاب الإيراني فهو إرهاب جماعات، والسنة أيضاً أول وأكبر المتضررين. ألم يتحدث “حزب الله” عن حماية مقامات آل البيت في سوريا بداية تطفله على الثورة السورية، مع العلم أن هذه المقامات ظلت آمنة ومزدهرة في كنف السنة لمئات الأعوام قبل الحكم العلوي للشام وقبل تأسيس الحزب الإلهي وقبل قيام الجمهورية الإسلاموية الإيرانية؟

في وسط هذا السواد الحاضر والمستقبلي هناك بقعة ضوء صغيرة، النخبة الشيعية العربية المعادية لإيران، والتضامن مع هذه النخبة من مصلحة الجميع، وإهمالها خسارة للجميع، والمحزن أن هؤلاء محل استهداف مزدوج من جهتي التطرف.

لا خلاص إلا بتعزيز الدولة المدنية وترسيخ قيمة المواطنة وملاحقة الإرهابيين ومحاسبتهم وردعهم، أما إيران فستستمر في استخدام بعض الشيعة العرب كذخيرة رخيصة في مشروعها الإسلاموي الطائفي التوسعي الدموي، وهي ماضية في مشروعها إلى النهاية، إلى آخر شيعي عربي، مهما زعمت العكس، فالغربان لا يبيض لونها مهما غسلت نفسها.

شارك المقال