واشنطن تغض النظر مقابل دعم بولندا لكييف؟

حسناء بو حرفوش

حذرت قراءة في موقع مجلة “فورين أفيرز” الالكتروني من أن الولايات المتحدة لا بد وأن تعتمد نهجاً أشد بعض الشيء إزاء بولندا، مشيرة إلى أن دعم وارسو لأوكرانيا يجب ألا يعني غض النظر عن تعديها على الديموقراطية في الداخل. ووفقاً للمقال، “تحتاج الولايات المتحدة الى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه بولندا. ويُظهر مثال المجر أن تفكيك القضاء المستقل وتكميم حرية التعبير ليسا مجرد إستراتيجيات تمهيداً للانتخابات، وإنما هي اللبنات الأساسية للديموقراطية غير الليبرالية. لذلك، تحتاج وزارة الخارجية الأميركية الى إتخاذ موقف إزاء هجمات الحكومة البولندية ضد وسائل الاعلام وسيادة القانون.

ولا شك في أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان مدركاً لذلك منذ البداية، فقد ألمح في حملته الانتخابية، إلى حقيقة أن حزب القانون والعدالة اليميني الذي يحكم بولندا منذ العام 2015، كان يقوّض استقلال القضاء وحرية الصحافة والتعددية المدنية بصورة مطردة (…) وفي العام 2021، عندما بدأ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بنقل اللاجئين الأفغان والعراقيين إلى الحدود البولندية البيلاروسية، شبهت هذه التحركات بالحرب المختلطة. ودفعت الحكومة البولندية حراسها الى مطاردة المهاجرين بخراطيم المياه وحظرت وصول وسائل الاعلام إلى المنطقة، وأنفقت أكثر من 407 ملايين دولار لبناء جدار فولاذي بطول 115 ميلاً على حدودها مع بيلاروسيا.

بايدن يغض الطرف عن انهيار الليبرالية؟

ومع ذلك، عندما سافر بايدن إلى بولندا في آذار 2022 لحشد الدعم للحرب في أوكرانيا، أشاد بالبلاد كقائدة في الكفاح العالمي من أجل الديموقراطية. وفي شباط من هذا العام، عاد بايدن مرة أخرى إلى القلعة الملكية، ليشيد بالبلد المضيف كأحد الحلفاء الكبار للولايات المتحدة (…) ولكن هل تجتمع الديموقراطية وممارسات الحكومة البولندية؟ ربما تكون بولندا قد أبدت تضامناً مع الكفاح الأوكراني من أجل السيادة، لكن الديموقراطية ملك للناشطين في بيلاروسيا ومولدوفا وأوكرانيا بالطبع. وواصلت بولندا تراجعها الديموقراطي بالتوازي مع دعم نضال جارتها ضد روسيا. ومع ذلك، لم يعد بايدن ينتقد تزايد اللاليبرالية فيها.

ومنذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط 2022، غضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون النظر أمام مواصلة الحكومة البولندية هجومها على الديموقراطية بسبب الأهمية الاستراتيجية الفريدة للبلاد. واحتلت بولندا مكانة مركزية في الجهة الشرقية لحلف الناتو منذ العام 1999، عندما انضمت إلى الحلف، لكن موقعها الاستراتيجي اكتسب أهمية جديدة في العام 2022، بحيث أصبحت بين عشية وضحاها مركز عبور مزدحم للاجئين وعمال الاغاثة والعسكريين.

لكن موقف بولندا الاستراتيجي يجب ألا يعزلها عن النقد، بحيث تثير حكومتها حروباً ثقافية تصوّر أوكرانيا كعامل تاريخي للإبادة الجماعية كما تدفع بالسياسات الاقتصادية التي يمكن أن تعرقل تعافيها. وبدأ اللاجئون الأوكرانيون الذين رحبت بهم بولندا بصورة شهيرة بداية من شباط 2022 بمواجهة المزيد من كراهية الأجانب في المجتمع البولندي – ويرجع ذلك في جزء كبير منه الى الخطاب الكاسح المناهض للمهاجرين.

ومنذ أواخر العام 2022، أبلغت منظمة العفو الدولية عن تزايد خطاب الكراهية ضد أوكرانيا على وسائل التواصل الاجتماعي البولندية. وتستخدم الحكومة البولندية التاريخ أيضاً لإثارة هذه المشاعر (…) ويتجاوز تساهلها المتزايد إزاء المشاعر المعادية لأوكرانيا الحروب الثقافية وصولاً إلى صنع السياسات. عندما زار زيلينسكي وارسو في آذار – وكانت المرة الأولى منذ بدء الغزو الروسي – نزل المزارعون البولنديون إلى شوارع المدن الكبرى في البلاد للاحتجاج على الأسعار التفضيلية في أوروبا للحبوب الأوكرانية. وحشدت بولندا بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا للضغط بنجاح على المفوضية الأوروبية لإزالة الحبوب الأوكرانية من أسواق تلك البلدان. وبدوره، احتج زيلينسكي على تصرفات بولندا ووصفها بالانتهاك الصارخ لاتفاقية الشراكة والمعاهدات التأسيسية للاتحاد الأوروبي.

أخيراً، تحتاج بولندا الى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تحتاج هذه الأخيرة إليها بحيث يتخطى الاستثمار الأميركي المباشر في بولندا أكثر من 25 مليار دولار. وبالنظر الى الحروب الثقافية المستعرة التي تخوضها الولايات المتحدة، تحتاج الى أن تكون حازمة وصريحة واستخدام نفوذها الاقتصادي لوضع حد لكراهية الأجانب وخطاب الكراهية وتسليط الضوء على أي مخالفات مع بدء الحملة الانتخابية البرلمانية في بولندا. هذه دعوة ثابتة لواشنطن لحماية الديموقراطية البولندية، بدلاً من الاكتفاء بالتهليل للتضامن البولندي الذي لا نعلم إلى متى قد يستمر”.

شارك المقال