بعد اقفال “النافعة”… اضطراب شمالي أوله اداري وآخره أمني!

إسراء ديب
إسراء ديب

يُواجه اللبنانيوّن أزمة “عويصة” بعد مرور أكثر من شهريْن على إقفال هيئة إدارة السير ومصلحة تسجيل السيارات “النافعة” في كلّ المحافظات اللبنانية وذلك من دون تحرّك رسميّ واضح لا سيما من وزارة الداخلية والبلديات سعياً إلى إنقاذ هذا المرفق الذي يدرّ أموالاً مهمّة وطائلة للدّولة اللبنانيّة التي تقف عاجزة اليوم أمام مختلف التحدّيات السياسية، الاقتصادية، التنمائية والاجتماعية التي تضرب البلاد من كلّ حدب وصوب.

إنّ “الصرخة” التي يرفعها المواطنون مناشدين الدّولة إعادة فتح النافعة محلّياً والتي سبق أن واجهت إضرابات وظيفية وإقفال في فترات سابقة، لم تتوقّف حتّى اللحظة نظر الى أهمّية الدّور الذي تلعبه هذه الهيئة في تسجيل السيّارات، تسجيل دفاتر قيادة جديدة أو تجديد القديمة منها، إجراء امتحانات قيادة، قطع لوحات أو أرقام جديدة، وقطع ميكانيك لسيّارات خاصّة مصنّفة بـ “الأنقاض” والتي بات صاحبها عاجزاً عن تسجيلها أخيراً، الأمر الذي يُعرّضه أمنياً كما اجتماعياً إلى مشكلات يومية، خصوصاً في حال تعرّضت سيّارته أو مركبته إلى حادث ما، أو حاجز أمني متوقّع أو مفاجئ.

وكان نقيب أصحاب مكاتب تعليم قيادة السيارات في لبنان عفيف عبود أكد أنّ “منصة النافعة لم تتوقّف بل شركة انكريبت التي تُقدّم بدورها خدمات الكترونية مرتبطة بنظام التشغيل الخاصّ بالمصلحة هي التي توقّفت عن العمل، لأنّ لديها مستحقات لدى الدولة”، فهذه الشركة التي كانت تُؤمّن كمّية البضاعة المطلوبة من دفاتر السوق وغيرها، وصلت مستأخراتها إلى ما يُقارب الـ 60 مليون دولار “فريش”، ما دفعها إلى منع المعنيين من الوصول إلى الداتا والمعاملات المرتبطة بالمواطنين.

هذه الضربات المستمرّة القائمة على وجود عرقلة إدارية واضحة وخلاف بين الدّولة والشركة ما انعكس على المواطنين، لم تمنع الدّولة بمؤسساتها من السعي إلى تطبيق القوانين في بعض المحافظات عبر اتباع إجراءات قانونية قد تُخيف بعض المواطنين لا سيما في مدينة طرابلس التي كانت تُواجه أساساً بعض المشكلات المرتبطة بهذا الأمر.

وفي التفاصيل، فإنّ انتشار “التوك توك” كما الدراجات النارية بصورة كبيرة في المدينة، لم يكن أمراً جديداً، بل هو أمر قديم – حديث تضاعف مع إقفال المصلحة في العيرونية (مجدليا – قضاء زغرتا)، ووفق المتابعين لهذا الملف، فإنّ الدراجات الموجودة لم تكن جميعها مسجّلة حتّى قبل الأزمة التي واجهتها الهيئة، ولكن بعد توقفها عن العمل وتعرّضها للاقفال مسبقاً وللاضرابات يُلاحظ المعنيّون ارتفاع عدد هذه الدراجات بطريقة مخالفة للقوانين ما يُوضح أحياناً سبب حدوث بعض التجاوزات القانونية القائمة على استغلال بعض الخارجين والمخالفين نقطة الضعف هذه لسرقة دراجات مختلفة في المدينة على أساس أن “لا حاكم يتمكّن من إيقافهم”، كما استغلالها لتنفيذ جرائم سرقة وقتل بسرعة البرق من دون الخوف من عقاب أو ملاحقة تكاد تكون غائبة.

كما يتحدّث معنيّون عن “شركة عيتاني” أو “انكريبت”، مؤكّدين أنّها قامت منذ أيّام بسحب حواسيبها، تقنياتها وأرشيفها الذي يتضمّن الداتا أو المعلومات الدقيقة عن كلّ شخص. ويُشير أحد المعنيين شمالاً لـ “لبنان الكبير” إلى خطورة هذه الخطوة، موضحاً أنّ “الشركة الخاصّة تقوم منذ العام 2021 بجمع هذه الداتا عن كلّ شخص في لبنان، وأنّ قيامها منذ أكثر من 6 أيّام بسحب السيستام من النافعة على مختلف الأراضي اللبنانية، يلفت إلى صعوبة مخيفة في حال تسريب هذه المعلومات التفصيلية أو معرفتها في وقتٍ تقوم الأجهزة الأمنية بحواجز مختلفة شمالاً تفرض سحب الأوراق الرسمية، وهذا ما يُؤكّد فشل المعنيين في إدارة أمور البلاد والعباد”.

ويقول: “لا موظفون في النافعة الكائنة في الفوّار شمالاً، والذلّ الذي يُواجهه المواطن كبير وغير مقبول، فتطبيق القوانين يحتاج إلى إنسانية ورفق، وفي ظلّ فورة الفوضى الأمنية القائمة لا يُمكننا أن نلوم القوى الرسمية لكنّنا نناشدها أن تُساعد المواطن الذي بات تحت رحمة عنصر أمني قد يشعر بمعاناته القائمة على عدم قدرته على تسجيل سيّارته أو تسلم دفتر سوقه الجديد، لكن إذا علق بيد عنصر آخر، فمن المسؤول عن هذه الأزمة؟”.

من هنا، يتحدّث أحد المواطنين من طرابلس (23 عاماً)، أنه توجّه بسيّارته من طرابلس إلى بيروت من دون دفتر قيادة، مع العلم أنّه ينتظر إصداره وفتح النافعة شمالاً، وطالبه حاجز أمني في بيروت بأوراقه، “فأكّدت له تعرّضي لعرقلة بسبب عملية الاقفال المستمرّة”. كذلك تعرّض مواطن آخر وهو سائق أجرة للموقف نفسه في مطار بيروت، لكنّ الضابط كان إيجابياً ووجّه له نصيحة لا أكثر.

كما روى آخرون عدم قدرتهم على فكّ سيّارتهم المحجوزة بسبب عدم دفعهم الرسوم الميكانيكية، مشيرين الى أن هذا الإجراء يتطلّب الحصول على إفادة تُؤكّد إقفال المعاينة، ونقلها إلى الدكوانة في العاصمة، بحيث فوجئ البعض بعد الحصول على الورقة، بعدم إصدار قرار فكّها مع ارتفاع رسوم الموقف التي ازدادت أيضاً يوماً بعد يوم. وهذا ما حدث أيضاً مع أحمد (من الضنية) الذي اشترى سيّارة من صاحبها الذي توفي منذ أيّام، فدفع ثمنها لكنّه لم يتمكّن من تسجيلها وبعد قيام الأمنيين باحتجاز سيارته منذ شهر، “لم أتمكّن من استعادتها بحيث بات سعر الكاراج أكثر بكثير من سعرها الحقيقي أساساً، فتركتها للدّولة التي لم ترحم أبداً في ظلّ هذه الظروف التي لم يرحمنا معها قلم محكمة السير الذي يُرجئ ملفاتنا حيناً ويوقف ملفات أخرى حيناً آخر”. وكان بعض المواطنين سجّل تعرّضه لإهانات أمنية عدّة وكأنّه “لا يكفينا إقفال هذه الهيئة”.

يبدو أنّ حلول التراضي أو “المساومة” التي كانت تعتمدها الدّولة مع الشركة لم تعد تنفع أخيراً، ووفق المتابعين فإنّ هذه الضغوط التي تُواجهها الدّولة من الشركة دفعتها إلى تقديم حلول جزئية لم ترقَ الى القبول “حتّى اللحظة”، لكن في النافعة الشمالية تحدّث متابعون عن إقفالها مسبقاً أيّ في شهر حزيران بعد “خوّات” فرضت على مواطنين وسرقات تعرّضوا لها، لا سيما على السيّارات لمعاينتها، وأكّد مواطن تعرّضه لما وصفه بـ “تشبيح مسبق، بعد عدم سماح بعض الشبان الذين يقفون أمام النافعة بمروره إليها إلّا بدفع خوّة وبتهديد مسبق، فإمّا الدفع أو عدم إدخال السيّارة وتكسيرها أمام أعين الدرك”، الأمر الذي يُؤكّد وجود “زعزعة” أمنية وإدارية واضحة تقتضي التدخل شمالاً بصورة سريعة، خصوصاً إذا وجدت الدّولة حلاً وسطاً يُسهم في إعادة فتح النافعة محلّياً.

شارك المقال