ذكرى تفجيري “التقوى” و”السلام”: هل يفلت “الطاغية” من العقاب؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم ينسَ الطرابلسيّون الأصوات المخيفة التي رافقت تفجيري مسجدي “التقوى” و”السلام” الضخمين، فهذه الكارثة التي هزّت المدينة يوم الجمعة في 23 آب عام 2013، لم تهزّ عرش النّظام السوري المتورّط بل المتهم بأدّلة واضحة وثابتة بضلوعه في هذه الجريمة التي رغب منفذوها في “إبادة” حشد من المؤمنين من خلال تفجير سيّارتين مفخختين بخطّة “مبكلة” نفذتها مجموعة داخلية تعمّدت قتلهم بطريقة صادمة تنفيذاً لأجندات الدّولة “الشقيقة” وذلك لإرسال رسالة سياسيّة واضحة بعيدة كل البعد عن المفاهيم الانسانية والأخلاقية.

وبعد سقوط 47 قتيلاً وأكثر من 500 جريح حينها، لم يغفر أهالي المدينة يوماً لهذا النّظام الذي خلق بصمة “دموية” صعبة في المدينة التي شهدت أفظع الجرائم التي عُلّقت على جدرانها، مقابرها، أبنتيها القديمة وأحيائها الشعبية… كلّها تُعدّ شاهدة على كره النّظام لهذه المدينة التي لم “تنخ” يوماً لقوّاته وجبروته، بل خسرت الكثير من أبنائها سعياً إلى تحقيق استقلالها من “احتلال” فرض نفسه داخلياً بحجّة “الوصاية”.

أمّا أهالي الضحايا فلم تلتئم جراحهم حتّى بعد مرور 10 سنوات على تفجيريْن علقا في ذاكرة الطرابلسيين، فلا يُمكن لترميم من هنا، أو تجديد من هناك، أنْ يمسح الصدمة التي ذكّرت المدينة بماضيها الأليم، ويقول أحد أهالي الضحايا لـ “لبنان الكبير”: “لن يأخذ حقّنا إلّا الله، وعند الله تجتمع الخصوم حقاً، فعلى الرّغم من مرور كلّ هذه الأعوام، لم ننسَ فقيدنا الذي كانت كلّ تهمته التوجه إلى صلاة الجمعة في مسجد التقوى، ماذا يسعنا أن نقول حين ندرك أنّ قريبنا تحوّل إلى أشلاء مثلاً؟ فلا يُمكننا استرجاعه أو تعويضه، لكنّنا نسعى دائماً إلى رفع صوتنا مهما حدث، ونتمنّى أن نرى المخططّين الذين جهزوا بخباثة لهذا الفعل الشنيع على حبل المشنقة بلا شفقة”.

القضاء والعدالة

قضائياً، لا يُخفي حقوقيّون عدم رغبتهم في مقارنة تفجيريّ “التقوى” و”السلام” بتفجير مرفأ بيروت عام 2020، فعلى الرّغم من قبح الحدثين، إلا أنّ بعض الناشطين أو المسؤولين قانونياً يرفض هذه المقارنة على المستوى القضائي. من هنا، يُشدّد نقيب المحامين السابق محمّد المراد، ووكيل قسم من الضحايا، على وجود أمر لا يزال ملتبساً حتّى الآن خصوصاً على المستويين القضائي والمدني، إذْ يعتقد الكثير من المواطنين أنّ المجلس العدلي لم يُصدر قراره حتّى اللحظة في هذه القضية. لكن المراد يردّ عبر “لبنان الكبير” على تساؤلات الكثير من المتابعين ليُؤكّد لهم تفاصيل هذه الجريمة ومستجدّاتها القضائية.

ويقول: “صدر الحكم عن المجلس العدلي فعلياً يوم 1/11/2019، ويُمكن التأكيد أنّ هذا الحكم جاء عادلاً ويتوافق مع هذه الجريمة الكارثية، لأنّ تطبيق القانون على الوقائع كان صلباً ومتماسكاً، وما تمّ إثباته من أدلّة دفع سابقاً بالمحقّق العدليّ إلى إصدار القرار الاتهامي ليُحيل الملف على المجلس العدلي للمحاكمة، وقد استمّرت المحاكمة لمدّة 3 سنوات واستجوب عدد لا يُستهان به كما نوقشت جميع الأدلة الواردة في هذا الملف ليتمّ بعد ذلك إصدار الحكم”.

يُمكن القول إنّ الحكم الذي أدان النظام الأمني السوريّ ولو بطريقة غير مباشرة، كان قد علّله المجلس العدلي بثلاثة اتهامات رئيسة وهي: تشكيل عصابات مسلّحة، القتل العمد والإرهاب، الأمر الذي دفع المجلس العدلي إلى إصدار حكم الاعدام بحقّ 8 متهمين.

وفي تفاصيل الحكم، يُؤكّد المراد أنّ الجريمة التي حصلت بأمر سوريّ وتنفيذ داخلي، كانت قد أثبتت بالأدلة الدامغة والحجج القاطعة تورّط مجموعتيْن فيها: “المجموعة الأولى التي اختيرت من الجهة السورية تتضمّن نقيباً في المخابرات السورية وهو محمّد علي علي، ومسؤولاً في الأمن السياسي في المخابرات وهو ناصر جوبان ومرافقاً له وهو خضر لطفي العيروني، أيّ 3 شخصيات أمنية نفذت الإمرة بعد تنسيقها مع مجموعة لبنانية للتنفيذ وعلى رأسها الشيخ أحمد الغريب، لكن تراجعت ثقتهم بإمكان تنفيذ الجريمة على يد الغريب ورفاقه، حينما شعروا أنّه يرغب في تنفيذ هذه الجريمة يوم الاثنين لا أثناء صلاة الجمعة، وذلك استهدافاً لإمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي فقط، فعدلوا عن تنفيذه الجريمة واختاروا أشخاصاً من جبل محسن”.

ويُضيف: “هنا نتحدّث عن مجموعة ثانية مؤلّفة من 5 أشخاص للقيام بأعمال التفجير، وهم: حيّان عبد الكريم رمضان (المنسق الأساس للأعمال اللوجيستية والتنفيذية للجريمة وهو يلقّب نفسه بـ “الشيخ”)، أحمد مرعي (فجّر مسجد التقوى ومعه سلمان أسعد)، يوسف عبد الرحمن دياب (الذي نفذ عن بُعد تفجير مسجد السلام بواسطة جهاز) ومعه خضر شدود، ودرّبهم قبل التنفيذ حيّان المنسّق مع الجهة السورية وتحديداً مع النقيب محمّد علي علي، كما أشرف رمضان على عمليات التنفيذ من حيث الاطّلاع على موقعيّ السلام والتقوى، وعلى الآليات التي يجب أن تتخذ إضافة إلى التركيز على آليات التفجير، أمّا الجهة السورية فقد أحضرت كلّ الآليات والسيارات وأدخلتها من سوريا إلى لبنان عبر حيّان الذي أدخل السيارات قبل يوم من وقوع الجريمة إلى جبل محسن، فكان دقيقاً للغاية في التنفيذ بحيث استخدم مع كلّ تفجير سيّارة ودراجة نارية وكشفت الكاميرات انتقال دياب وشدود من السلام مروراً بالحصاص، ومنها إلى الكورة، زغرتا فجبل محسن”.

ويتابع: “بعد وقوع الجريمة، استطاع حياّن، مرعي، شدود وأسعد مغادرة لبنان، والذهاب إلى المخابرات السورية، لكنّ شعبة المعلومات استطاعت إلقاء القبض على دياب في جبل محسن وأوقفته لصالح التحقيق، أمّا عن الحكم فقد كان وجاهياً بحقّ دياب أيّ نهائياً وهو عقوبة الاعدام”.

أمّا عن السوريين فقد صدر حكم الاعدام بحقّهم غيابياً، كما صدرت بحقّهم مذكرات توقيف غيابية، وإلقاء القبض مع الحكم الغيابي، وفق ما يقول المراد الذي يُذكّر بأنّ اللبنانيين الـأربعة صدر أيضاً بحقّهم حكم غيابي بالاعدام، “ما يعني أنّ من نفذ الجريمة مباشرة هم 8، مع ظهور آخرين في التحقيقات مثل العراقيين علي نصري شمص، مصطفى نصري شمص ومحمّد حسن ماهر حسين، لإقدامهم على شراء سيارات وإرسالها إلى المحكوم بالاعدام العيروني، وسيّدة مثل سكينة اسماعيل، سورية الجنسية، لإقدامها على التدخل في نقل السيارتين المفخختين من سوريا الى لبنان…”.

يُمكن القول إنّ القضائيين الذين تسلموا هذه القضية لم يصل أيّ منهم إلى من هو أبعد من المسؤولين “المخابراتيين”، فبعد توصّل الشعبة المعلوماتية إلى الداتا، لم تتمكّن من الوصول إلى داتا إضافية عن المسؤولين الأمنيين السوريين الثلاثة المحكومين بالاعدام، وهذا ما يُشير إلى “احتياط كامل من الطرف الأعلى سورياً”، لكن القضاء اللبناني كان على قدر عالٍ من الاحتياط، بحيث “صدر قرار بإصدار مذكرة تحرّ دائم لمعرفة هوية الضباط الأمنيين السوريين الذين أصدروا القرار بعملية التفجير وأعطوا الإمرة للسوريين الثلاثة المحكومين بالاعدام”.

وعن الفارين من وجه العدالة، يُشدد المراد على أنّ المطالبة بهم ليست مسؤولية المحكمة بل من واجب الحكومة مطالبة الدّولة السورية “قانوناً” بتسليم المتّهمين اللبنانيين المحكومين غيابياً من جبل محسن ليمثلوا أمام القضاء إنفاذاً للأحكام، فيما يُؤكّد أنّ المحكومين غيابياً، ستُعاد محاكمتهم أمام المجلس العدلي وبطبيعة الحال سيصدر حكم الإعدام بحقّهم أسوة بدياب. ويقول: “خلافاً لما هو متداول بين الناس، فالحكم صدر من أعلى هيئة قضائية في لبنان، وهو حكم عادل بعقوبة عادلة وصدر بالاستناد إلى أدلّة علمية لا مجال فيها للشكّ أو للتأويل”.

ويعتبر المراد أنّ الغرض من التفجيرين كان قتل العدد الأكبر من المصلّين، بغية إحداث فتنة كبرى على مستوى الوطن، “فاختاروا طرابلس لأسباب تناسبهم، لكنّنا لا نخفي أنّ هذه الجريمة الكارثية قلّما نجدها في العالم من حيث عملية التوقيت، الاختيار والهدف الذي يسعى إلى قتل الإنسانية بمشروع خطير لم يرتكبه حتّى العدو الإسرائيلي على الرّغم من جرائمه المعروفة والظالمة ضدّ الشعب الفلسطيني”.

شارك المقال