واحدة من أغرب القصص في التاريخ المعاصر، تناقلها مقربون من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، هي قصة الشاب الفلسطيني خليل من مدينة رام الله، الذي سافر إلى الهند بعد تخرجه من الثانوية، كي يدرس طب الأسنان، ولدى انتقاله بالقطار الى المدينة حيث جامعته، توقف القطار في إحدى المحطات على الطريق، وهناك نزل الشاب ليشتري بعض الطعام، فأوقفه أهالي القرية ونصّبوه إلهاً عليهم. وتبين لاحقاً أن هناك رجلاً يدّعي الألوهية في هذه القرية، كان يعبده ملايين الناس، وعندما دنا من الموت قال لعبدته إن الألوهية المتجسدة فيه ستنتقل إلى شخص آخر بعد موته، وهذا الشخص سيأتي من محطة القطار، وسيكون “غريباً” أي ليس هندياً، ويتكلم اللغة العربية. وبعد موت إلاههم المزعوم انتظر أهالي القرية في المحطة حتى أتى الشاب خليل ووجدوا فيه الصفات التي قال عنها، فنصّبوه إلهاً، وفي البداية استغرب الأمر لكنه أعجب بحياة الرفاهية وادّعى أنه إله وأصبح يعبده ملايين الناس في الهند.
والقصة لا تنتهي هنا، فلاحقاً أرادت رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي أن تحظى بدعم الشاب خليل في الانتخابات، لكنه رفض الخوض في الشؤون السياسية خوفاً من انكشاف أمره. وعلمت غاندي أنه فلسطيني فاتصلت بعرفات طالبة مساعدته، فتوجه الأخير إلى الهند، حيث زار القرية الموجود فيها الشاب خليل، الذي ارتبك بداية حين رآه، وعندما فاتحه عرفات في موضوع دعم غاندي كإله مزعوم، سأله خليل: “كم تحكم من البشر؟”. أجابه عرفات: “من خمسة إلى ستة ملايين فلسطيني”.
فقال خليل: “اما أنا فيتبعني 20 مليوناً”. فرد عرفات: “أما أنا فعندي خمسة ملايين رب مثلك”.
بغض النظر عن صحة هذه الرواية من عدمها بحيث يقول من يسردونها انها حصلت في العام 1984، ولا يمكن التأكد من دقتها، إلا أنها تجسد حالة كثير من الساسة في لبنان، فقد أصبحوا يرون أنفسهم آلهة، معصومين عن الخطأ، بل وصل الأمر بأنصار “التيار الوطني الحر” الى القول: “العدرا جابت توم، يسوع وميشال عون”، وآخر يتحدث عن معجزات عون لفتى مريض سمع نشيداً له فشفي من مرضه.
وليس أسوأ من عون إلا ولي عهده وصهره جبران باسيل، الذي يرى نفسه إلهاً فينيقياً بُعث ليعيد المجد الى فينيقيا العظمى، وها هو يضرب بكل القوانين البشرية عرض الحائط، ويحاول فرض قانون الآلهة، ولا بأس إن تمت التضحية ببعض من الرعية في سبيل ذلك.
الاله باسيل فاز بالتزكية في انتخابات تياره، بغض النظر عن أنه أبعد أو طرد كل من يمكن أن يتحداه، لم يجرؤ أحد على أن يواجهه، فلا بأس أن يكون الاله محتالاً ومخادعاً، وأكبر دليل على ذلك الاستحقاق الرئاسي، اذ يرسل فرسان معبده، تارة يقولون انهم اقتربوا من الاتفاق مع “حزب الله”، وتارة أخرى يؤكدون أنهم مستمرون في التقاطع مع المعارضة حول جهاد أزعور، فبناء الممالك يحتاج إلى حرب، وكل الحروب مبنية على الخداع كما يقول الجنرال الصيني صن تزو.
ومن قال إن الآلهة لا تتاجر؟ فالميثولوجيا مليئة بصفقات الآلهة بين بعضها البعض أو بينها وبين بعض البشر، ويبدو أن باسيل تخطى موضوع الرئاسة، فهو لا يريد أن يُنتخب رئيساً للجمهورية في لبنان، بل أن ينصّب إلهاً على اللبنانيين من شدة حبه لهم، ورغبته في نقلهم نحو الأفضل، فهو بيد يأخذ منهم 47 مليار دولار كي ينير بلدهم، وإن استمر الظلام فالأمر مسألة وقت لا أكثر، وباليد الأخرى يأخذ ملايين الدولارات ليروي عطشهم، وإن لم تصل المياه إليهم فلأن الشياطين تحاول تعطيلها. جبران ليس المُلام، فهو إله معصوم عن الخطأ وسيقود الدولة اللبنانية إلى عصر جديد وستصبح المملكة الفينيقية العظمى، المقسمة إلى إمارات كل منها تحكم نفسها بنفسها، شرط أن تقدم كل ثرواتها قرباناً الى الاله باسيل.