هوكشتاين… والترسيم البري بالديبلوماسية “السياحية”

زياد سامي عيتاني

كان لافتاً للغاية إصرار المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين منذ وصوله إلى لبنان على إظهار الود والحميمية تجاهه، وتنقله في رحلات سياسية بحرية تامة، حتى بلغ ترحاله منطقة بعلبك “برمزيتها كعاصمة حزب الله”، وأخذ صور له أمام قلعتها. ربما يكون المسؤول الأميركي الوحيد منذ عقود من الزمن الذي يتحرك في لبنان بهذا القدر الكبير من الاطمئنان والأريحية، ما يعطي إنطباعاً بأن التحضير للزيارة، كان متقناً، وأن نتائجها قد تم الاتفاق عليها قبل مجيئه إلى لبنان. ولكن، السؤال “الثنائي الأبعاد” الذي يفرض نفسه: ما هي أهداف الزيارة؟ وهل ثمة إرتباط بينها وبين زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان؟

تجزم مصادر مطلعة أولاً بأن لا رابط بين الزيارتين، بحيث أن زيارة الديبلوماسي الايراني “مناسباتية” للمشاركة في ذكرى غياب الامام موسى الصدر، على أن تجري على هامشها لقاءات سياسية. أما بالنسبة الى مهمة هوكشتاين، فإن الأوساط المتابعة تؤكد أنها للبحث في ثلاثة ملفات هي: متابعة أعمال التنقيب التي باشرت بها شركة “توتال” الفرنسية في البلوك 9، إمكان انتقال أعمال الحفر إلى البلوكين 8 و10 وإمكان تلزيم أعمال الحفر لاحدى الشركتين القطرية أو الايطالية باعتبارهما الفائزتين بأعمال التنقيب إلى جانب “توتال”، وذلك من خلال استمرار التنقيب، وتكريس الهدوء في الجنوب وعدم حصول ما يعكّر صفو الأمن في ظلّ الخلاف على مسودة مشروع التمديد لـ”اليونيفيل” في جنوب لبنان، والمساهمة في التوصل الى صيغة مقبولة من الجميع، إضافة إلى انتزاع وعد رسمي من الجهات المعنيّة بعدم التعرض لها.

ولا تستبعد المصادر أن تستطيع القوى السياسية ذات التأثير الفاعل، إطلاق مفاوضات حول الحدود البرية. وعلى الرغم من تعدد أهداف الزيارة، فكلها تبقى مرتبطة بصورة أساسية بتهدئة الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، التي هي المنطلق للبحث في باقي المواضيع.

وفي هذا الاطار، أكد موقع “أكسيوس” الأميركي أنّ الولايات المتحدة تكثّف جهودها لتهدئة التوترات المتزايدة بين إسرائيل و”حزب الله”. وبحسب الموقع، فإنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تعمل على منع “اندلاع الأعمال العدائية” (!) وفقاً لمصادر إسرائيلية وأميركية مطّلعة على هذه القضية. ونقل “أكسيوس” عن مصدر أميركي مطلع على القضية أيضاً أنّ هوكشتاين سيعمل على “تهدئة التوترات على الحدود”.

يذكر في هذا الاطار أن الحدود اللبنانية – الاسرائيلية قد شهدت في الآونة الأخيرة توترات متصاعدة، وذلك عندما حاولت قوات الاحتلال في حزيران الفائت، القيام بأعمال تجريف خارج ما يُعرف بـ”خط الانسحاب”، في منطقة كفرشوبا المحتلة، لكن أهالي كفرشوبا والعرقوب نجحوا في وقف عملية الجرف. وفي وقت لاحق تمكّن أهالي البلدة أيضاً من دخول أراضٍ لبنانية خلف “خط الانسحاب” واقعة تحت سيطرة الاحتلال، ورفعوا العلم اللبناني على تلّة مقابِلة لموقع السماقة، في ظل استنفار لجنود الاحتلال الذين استقدموا تعزيزات وآليات إلى المكان. كما أقدم الجيش الاسرائيلي في الآونة الأخيرة على اتخاذ إجراءات في القسم الشمالي من بلدة الغجر الحدودية، وهو القسم اللبناني الذي تعترف به الأمم المتحدة باعتباره جزءاً من الأراضي اللبنانية لا نقاش فيه ولا نزاع حوله. وتمثّلت إجراءات قوات الاحتلال في إنشاء سياج شائك وبناء جدار إسمنتي حول كامل البلدة شبيه بما تقوم به على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. وفي ضوء هذه التوترات عمد “حزب الله” إلى نصب خيمتين عند المناطق الحدودية جنوبي لبنان، وحذّر أمينه العام السيد حسن نصر الله إسرائيل، من القيام بأي حماقة لإزالة الخيمتين، قائلاً: “إن المقاومة لن تتهاون ولن تتخلى عن مسؤولياتها في الحماية أو الردع، وستكون جاهزة لأي خيار، ولمواجهة أي خطأ أو حماقة”.

وتكشف المصادر أن هوكشتاين يحمل أفكاراً أميركية للمناقشة مع لبنان تتعلق بترسيم الحدود البرية، على غرار مساعيه في ترسيم الحدود البحرية، وسط معارضة لبنانية لمصطلح “الترسيم”، باعتبار أن الحدود البرية مرسمة من خلال “الخط الأزرق” و”إتفاق الهدنة”، لذلك فإن الجانب اللبناني يرى أن المطلوب “تظهير” الحدود، ومعالجة النقاط المختلف عليها، إضافة إلى ضرورة وقف الانتهاكات الاسرائيلية للقرار الدولي 1701.

هوكشتاين الذي تمكن من ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، هل سيتمكن بواسطة الديبلوماسية “السياحية” من النجاح في ترسيم الحدود البرية؟

شارك المقال