البلد في حالة اللاموت واللاحياة… والفرج ليس بقريب

هيام طوق
هيام طوق

منذ بدء الشغور الرئاسي أي منذ ما يقارب السنة، تتسارع المساعي والمبادرات الداخلية والخارجية لايجاد مخرج لاستحقاق الرئاسة، لكن الى اليوم لم تحقق أي خرق على الرغم من كل الاتصالات على أعلى المستويات، ومحاولات اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان، التي تضم ممثلين لكل من واشنطن وباريس والرياض والقاهرة والدوحة إذ تلعب فرنسا دور الوسيط في هذا السياق، وأرسلت موفديها الى لبنان، وآخرهم المبعوث الرئاسي الخاص جان إيف لودريان الذي زار لبنان مرتين خلال الصيف، ويختتم اليوم جولته الثالثة على المسؤولين والتي يتم التعويل عليها في فتح نافذة أمل في الملف الرئاسي خصوصاً أن كثيرين يقولون ان استمرار الشغور يعني الوصول الى حائط مسدود، وحينها تصبح الأبواب مشرّعة على المجهول وعلى كل أنواع المخاطر والانهيارات المؤسساتية.

ومن يراقب الأوضاع على الأصعدة كافة، يستنتج أن البلد يقف على كف عفريت فالمؤسسات في حالة شلل وتعطيل، والانهيارات تلاحق كل القطاعات، والتعقيدات السياسية لا تزال على حالها حتى أن البعض يعتبر أننا لا نزال في المربع الرئاسي الأول أو عند نقطة الانطلاق في ظل التمسك بالمواقف، والحوادث الأمنية في مخيم عين الحلوة التي باتت تهدد أمن المناطق المجاورة وسط تخوف من توسعها نحو مخيمات أخرى، بالاضافة الى موجة الهجرة المستجدة من سوريا في اتجاه لبنان ما استدعى اجتماعاً لمجلس الوزراء بحضور القادة الأمنيين كشف خلاله قائد الجيش العماد جوزيف عون أن ثمانية آلاف سوري (الأرقام غير الرسمية تشير إلى 22 ألفاً) دخلوا إلى لبنان في الفترة الأخيرة، وأن 95 في المئة منهم من الفئة العمرية الشبابية، محذراً من أن “التهريب عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، على الرغم من قلة العديد”، من دون أن ننسى الجرائم المتنقلة في مختلف المناطق لأسباب متعددة.

جهات سياسية كثيرة ترى أن البلد متجه الى المجهول اذا لم يتم ملء الشغور قبل نهاية العام، ومهدد بالانهيار التام، وهذا ما أوحى به لودريان خلال لقاءاته مع المسؤولين اذ نُقل عنه قوله ان الوضع القائم حالياً يجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن، وفي هذا السبيل، يجب أن يفتح باب الحوار بين الأطراف اللبنانية اذ لا سبيل لانفراج سياسي ورئاسي سواه، “لأن الوضع في لبنان كما نراه شديد التأزم، والتأخير في اعتماد هذا المسار يعني بلا أدنى شك أن وضع لبنان سيتأزم أكثر، وينزلق الى مخاطر أكبر”.

وانطلاقاً من هذا الواقع، لا بد من التساؤل: الى أين؟ الى أين سيذهب البلد وأهله في حال استمرّ الاستعصاء السياسي؟ ولماذا اعتبار شهر أيلول مفصلياً في الانفراج أو الانفجار؟

أسف النائب السابق وهبي قاطيشا “لأننا لا نزال في دائرة العذاب والنار، وما يزيد الطين بلة مؤخراً تحريك الساحات الفلسطينية من مخيم عين الحلوة، كما أن عملية تسلل أعداد كبيرة من النازحين الشباب من سوريا في فترة قصيرة تبدو منظمة للضغط على لبنان ليصبح اما خاضعاً لقرار الممانعة أو لتفجيره. كل هذا يدل بالاضافة الى أزماتنا الداخلية الكبيرة والمعقدة، على أننا لا نزال داخل كرة النار الملتهبة، ولا أحد يعلم الى أين نحن ذاهبون. الأحداث الحالية ليست لصالح قيام البلد والدولة”.

وأكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الحالة الراهنة لن تشهد تدهوراً كبيراً بمعنى الانتقال الى الحرب اذ ان الحروب تتطلب فريقين، وهذا غير متوافر في الداخل لأن حزب الله وحده يملك السلاح كما أن اسرائيل لا تريد الحرب. سنعاني من الفوضى، لكن علينا الخروج بحل لأن الناس لم تعد تحتمل”.

ولفت الى أن “هناك مساعي دولية واقليمية لانتاج رئيس للجمهورية في لبنان، والمسعى الفرنسي لم يؤدّ الى نتيجة، ويبدو أن قطر ستلعب دوراً في المستقبل، وهذا يشير الى أن هناك شبه مباركة سعودية وأميركية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا سننتخب رئيساً في القريب العاجل”، معتبراً أن “الحراك القطري اذا لم ينتج رئيساً من اليوم الى رأس السنة يعني أننا ذاهبون نحو المزيد من الانهيار أو الى تحولات أخرى، وربما نحو الأمن الذاتي لأن هناك بعض المناطق التي لم تعد تحتمل غياب الدولة، وتريد العيش بأمان وسلام والحفاظ على أملاكها وبيوتها”، مشيراً الى أن “هناك بعض المؤشرات الطفيفة التي توحي بأمل ما، لكن لا شيئ فعلياً الى اليوم”.

وأوضح العميد خليل الحلو أن “التفاهم الخارجي حول الملف اللبناني غير موجود، وهناك منافسة قوية بين السعوديين والقطريين على الدور في المنطقة، ولا يبدو أن قطر والسعودية متفاهمتان على الملف اللبناني، وما يظهر من اللجنة الخماسية واضح في هذا الاطار. أما في الداخل، فكل المبادرات والتحركات لم تؤدّ الى نتيجة في ظل التشبث بالمواقف على الرغم من الضجة الاعلامية حول اسم قائد الجيش. ويبدو أن مهمة لودريان لن تحقق أي خرق. وفي عين الحلوة، عاصمة الشتات الفلسطيني، أي اقتتال داخل المخيم يعني ضربة للشعب الفلسطيني في ظل غياب السلطة في لبنان”.

وقال: “لا نعتمد على التنجيم أو التبصير أو التوقعات للمستقبل، لكن المؤشرات تقول اننا لا نزال نسلك الطريق المسدود على المستويات كافة، وفي حال استمرّ الوضع على ما هو عليه سنشهد على مزيد من الانحلال، والمزيد من المساعدات الخارجية للجيش والمؤسسات الأمنية لمساندتها كي تحافظ على دورها خصوصاً أنها من بين القلائل من المؤسسات التي لا تزال تقوم بمهامها، ولن يحصل لبنان على المساعدة من الدول الصديقة والشقيقة طالما الوضع السلبي سمة المرحلة، والناس يدبّرون يومياتهم في الأكل والشرب بالحد الأدنى. انها حالة اللاموت واللاحياة بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ما نعاني منه منذ فترة، لكن الأمور تتعقد أكثر”. ورأى أن “هذه الحالة، وفق المعطيات الحالية، مستمرة الى أمد ليس بقصير على الرغم من أننا نعلم أن الاستمرار في التدهور غير ممكن على المدى البعيد، وأن بعد كل تدهور هناك تحسّن، لكن هذا التحسن ليس في المدى المنظور. لا أظن أننا سنصل الى مرحلة أسوأ من التي نحن فيها اليوم”.

واعتبر أن “كل ما يُقال عن أيلول انه سيحدد المسار اما نحو الانفجار أو الانفراج ليس دقيقاً ولا يستند الى الوقائع، اذ ان الحركة السياسية تعود بعد شهر آب الذي تتوقف فيه النشاطات الدولية والديبلوماسية، لكن هذا لا يعني أن أيلول شهر الحل، ولا يعني أيضاً أن شهر تشرين الأول هو شهر الانفجار”، منبهاً على أن “الستاتيكو القائم سيستمر في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وحتى لو انتهت ولاية قائد الجيش، لن يحصل الفراغ في المؤسسات العسكرية والأمنية. اذاً، الأمور موحلة ومن دون أفق، وشباب يهاجر، لكن لن تحصل أي حرب”.

شارك المقال