المعركة رئاسية أم على الهوية؟

هيام طوق
هيام طوق

بين الهبات الباردة والهبات الساخنة يتأرجح الملف الرئاسي، وبين المعطيات الايجابية والمعطيات السلبية، الداخلية والخارجية، تبقى ثابتة وحيدة أن لا بوادر فعلية لانتخاب رئيس للجمهورية في المرحلة القريبة على الرغم من كل ما يجري هذا الأسبوع من نقاشات وحوارات ومحاولات من نيويورك الى مرسيليا الى الفاتيكان لتعبيد الطريق أمام الرئاسة الاولى.

وبات معلوماً أن هناك فريقين يتصارعان على أنقاض الوطن، وتدور معاركهما على أرض منهارة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وأمنياً، ويختلفان في الرؤية حول الدولة حتى أن كثيرين يعتبرون اليوم أن المعركة في ظاهرها رئاسية لكنها أبعد من ذلك بكثير. المعركة حول الكيان والدولة والمؤسسات. انها معركة بقاء الدولة أو سيطرة الدويلة على الدولة، وبالتالي، ليس المهم اسم الرئيس الذي سيفتح أبواب القصر الجمهوري في بعبدا بمقدار أي لبنان يريد هذا الرئيس، وأي بلد، وأي دولة.

إذاً، هناك فريق في البلد يعتبر أن هناك خطراً كيانياً وخطراً على هوية لبنان من باب الخطر الايديولوجي الشمولي الذي تشكله ايران على لبنان من خلال “حزب الله”، فيما يرى الأخير أن هذا الفريق ينفذ أجندة أميركية في الداخل، ويقتنص الفرصة للانقضاض على الحزب، وهنا تكمن العقد الرئاسية التي لم تتمكن من فكفكتها كل الدول المعنية بالشأن اللبناني خصوصاً اللجنة الخماسية التي تضم السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، والمساعي الفاتيكانية الصامتة.

وسط هذا التناقض، سؤال كبير يطرح: هل فعلاً المعركة في لبنان اليوم ليست رئاسية إنما معركة بقاء الدولة أو سيطرة الدويلة على الدولة؟

رأى مصدر سياسي في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “لا بد من مسار لاعادة بناء الدولة لأن كل ما يحصل اليوم هو تجويف الدولة والدستور والقانون، والمطلوب اعادة العمل بالدستور والاحتكام الى المؤسسات بحيث أن الدولة وحدها تحتكر حق العنف المشروع. بهذا المعنى، المعركة الرئاسية هي معركة استعادة الدولة لمؤسساتها ولشروط وجودها وقدرتها، وهذا ما تفتقده اليوم. جوهر الخلافات بين القوى السياسية ليس على رئاسة الجمهورية بمقدار ما هو على المشروع والرؤية لأن المؤسسات تنهار، وما يجري على الصعد المالية والاقتصادية والمعيشية والمصرفية، يتطلب نوعاً من خطة سياسية واقتصادية ومالية جديدة ينفذها أشخاص لديهم الكفاءة والقدرة والارادة في التغيير. وهنا نسأل: هل يعني انتخاب الرئيس بداية الحل؟ ربما لن يكون بداية الحل لأنه في حال وصل الى سدة الرئاسة الرئيس التوافقي، لن يغيّر شيئاً لأنه يكون أعطى التزامات لهذا الفريق وذاك خصوصاً أن القوى السياسية غير مستعدة في تغيير ممارساتها”.

ولفت المصدر الى “أننا ذاهبون نحو معركة وجودية وكيانية. هناك عملية تعطيل، والصراع يزيد من ضعف المؤسسات. الى اليوم، ليس هناك ما يدفعنا الى الاستنتاج أن الصراع القائم يمكن أن تنتج عنه حالة ايجابية. بهذا المعنى لبنان فعلاً أمام خطر وجودي. ونلاحظ أن فريقاً يسهم في حماية هذا الوضع لأنه الطرف الأكثر افادة من حالة الفوضى ومن حالة ضعف الدولة وبقاء ثنائية الدولة والدويلة. وبالتالي، نحن أمام تحدي وجودي”، مشدداً على “ضرورة تطبيق الدستور للخروج من حالة الانهيار، ما يعني بصورة مختصرة استعادة الدولة لوجودها، والمنظومة الحاكمة اليوم ليست لديها ارادة في التغيير، والدليل أننا لم نرَ خلال السنوات القليلة الماضية أي خطوة اصلاحية أو تعكس محاولة جدية للتغيير”.

وأشار مصدر مطلع الى أن “هناك من يعمل على تغيير الهوية اللبنانية، ويدخل تفاصيل جديدة ثقافية وغير ثقافية على حياة اللبنانيين”. وقال: “النهج المتبع اليوم خطير جداً، والمعركة ليست رئاسية بمقدار ما هي معركة هوية، لذلك هناك تأخير في انتخاب الرئيس مع قناعتي بأنه تم التوصل الى الاتفاق على اسم الرئيس لكن يتم التوافق حول كيفية الاخراج، وما هو الثمن الذي يتم طلبه في المقابل”.

واعتبر أن “الأمور معقدة حالياً، لكن في المدى البعيد، ستسير في اتجاه التغيير الايجابي خصوصاً أن المرحلة المقبلة مرحلة استخراج النفط ما يعني الاستقرار كما لا بد من الاشارة الى التغيير الذي يحصل في المنطقة من سوريا الى العراق الى لبنان. المتغيرات في المنطقة تدل على أن هناك شيئاً كبيراً يُهيّأ ولبنان جزء من المنطقة، وأي تغيير سيؤثر عليه. وهناك تطور لم يتوقف عنده الكثيرون وهو الممر الاقتصادي الجديد من الصين الى السعودية الى الأردن الى اسرائيل، ولن يمر بلبنان بسبب السياسات المجنونة، وعدم الاستقرار في سوريا. لبنان خسر دوره وحضوره، وهذا أمر خطير لأن لبنان تاريخياً كان خط ترانزيت الدول العربية”.

أضاف: “في حال انتخب الرئيس من دون برنامج عمل للخروج من المأزق الحالي، على المستويات كافة، يكون رئيس إدارة أزمة أي سنبقى ست سنوات أخرى كعهد الرئيس ميشال عون. وبالتالي، لا بد من رئيس يستطيع التغيير لأننا ندفع ثمن السياسات المهادنة باهظاً. أي رئيس يأتي نتيجة تسوية يعني استمرار الأمور على ما هي عليه. المطلوب حل حقيقي أي دولة حقيقية تتسلم السلطة بصورة كاملة، وحصر السلاح في يد الشرعية دون سواها، وغير ذلك لا حل لأنه يكون إدارة أزمة بينما نريد حلاً للازمة. المطلوب دولة مؤسسات غالبية تحكم وأقلية تعارض، ومن يخطئ يحاسب. هذه طبيعة النظام البرلماني اللبناني، ويتم تداول السلطة. أما التوافق فينسف المحاسبة، ويخسر المجلس النيابي دوره التشريعي لأنه يشرّع حسب سياسة الحكومة، ويخسر دوره الرقابي لأنه جزء من الحكومة، وهذا ما يعمل البعض على ديمومته، وعدم تغييره لأنه بهذه الطريقة يدير البلد وفق ما يخدم مصالحه”.

وأكد المصدر أن “المعركة اليوم على الكيان وعلى الدولة وعلى المؤسسات لأن الدور الذي يمارسه الفريق الأقوى يجعل من لبنان ساحة صراع وليس ساحة استقرار، وأي مستثمر لن يتجرأ على الاستثمار في ظل الأداء الموجود حالياً. اذا لم يكن لبنان مستقراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فلن يتطور البلد. الاستقرار عمود التقدم والتطور، ونحن نسير بعكس التيار تماماً اذ لا استقرار سياسي ولا استقرار أمني”.

شارك المقال