إعتكاف القضاة… انقسام بين الاستمرار والعودة

عبدالرحمن قنديل

أكثر من مئة وعشرة قضاة أعلنوا في بيان التوقّف القسري عن العمل، ما يعيد الموضوع إلى المربع الأول مع الاعتكاف الذي شهدته قصور العدل قبل أشهر وتعطّلت خلاله مصالح المواطنين على المستوى القانوني والخدماتي. هذا الخبر كفيل بهز الأركان القضائية لأي بلد في العالم، ولكن في بلد اسمه لبنان يمكن أن يكون خبراً عادياً إما يمر مرور الكرام أو تتم معالجته بإبر المسكنات.

الدولة دائماً ما تكون في موقع المتفرج إثر أي تهديد يمكن أن يحدث حتى لو كانت نتيجته النيل من البلد ككل، فكيف إذا نال من قضائها الذي لطالما تغنينا بنزاهته وإستقلاليته؟

القضاة عقدوا جمعية عمومية أفضت الى عودة معظمهم عن اعتكافهم، والذين لا يتجاوز عددهم الـ ١١٠ قضاة، وذلك بعدما توصل وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى قرار يقضي بإعطاء سلفة للقضاة.

ومع بدء السنة القضائية، اجتمع مجلس القضاء الأعلى مع القضاة العدليين في قاعة محكمة التمييز في قصر العدل في بيروت أمس، وجرى عرض الجهود المبذولة في سبيل تحسين ظروف العمل القضائي وضرورة تسييره وتفعيله. وقرر المجلس ابقاء جلساته مفتوحة مواكبة للظروف كافة.

بين اعتكاف عدد من القضاة واستمرار الجزء الأكبر في عمله، جاءت الجمعية العمومية التي شارك فيها حوالي 200 قاضٍ في مجلس القضاء الأعلى على خلفية مناقشة إنطلاقة السنة القضائية الجديدة ووضع القضاة في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب بالاضافة إلى المشكلات المعنوية واللوجيستية، لتبقي القديم على قدمه في ظل حديث عن إنقسام القضاة المعتكفين في ما بينهم بين من سيستمر في الاعتكاف وبين من سيعود عنه.

وكشفت مصادر مطلعة لـ “لبنان الكبير” عن وجود “مجموعة واتساب تضم عدداً من القضاة، يأتي أحدهم ويدعو إلى الاعتكاف لأنه لم يعد من المحتمل أن يبقى الوضع على ما هو عليه، وبعدها يجمع حوالي 100 إلى 112 إسماً على الاعتكاف، وعندما جاء وقت التنفيذ أصبح عدد المعتكفين لا يتجاوز الأربعين”.

وأوضحت المصادر أن مجلس القضاء الأعلى حدد في ضوء هذه المعطيات الدعوة الى مناقشة هذه الأزمة والبحث في موضوع إنطلاق السنة القضائية من دون أي تعثر ضمن الأطر المحددة مسبقاً. وقالت: “على الرغم من وضع القضاة السيئ والواقع الذي وصل إليه القضاء، إلا أنه لا يستطيع أن يبقى مشلولاً وأن تبقى مصالح الناس معطلة وأسيرة وضع البلد الراهن إلى ما لا نهاية ولكي لا يبقى مصير القضاء مجهولاً”.

وأكد المتخصص في الشؤون القضائية الصحافي يوسف دياب في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الاجتماع لم يصل إلى نتيجة بحيث عبّر القضاة عن مطالبهم والأمور التي يعانونها خصوصاً في قصور العدل من خلال إنعدام الكهرباء والمكيفات بالاضافة إلى المياه والنظافة وحتى القرطاسية ليعملوا من خلالها والفاكسات لكي يبلغوا ويستدعوا المدعى عليهم وإبلاغ السجون لسوق الموقوفين”.

وأشار إلى أن القضاة أثاروا أمام مجلس القضاء الأعلى غياب التقديمات الصحية والتعليمية لأولادهم، لافتاً أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود قال للقضاة: “ان هناك محاولة لحل الأمور مع وزير العدل ورئيس الحكومة وهناك وعود بأن الحلول باتت قريبة”.

وأوضح أن القضاة لم يأخذوا قرار الاعتكاف أو لا، والقرار النهائي لهم في هذا الشأن يحتمل أن يكون في الساعات المقبلة، بينما القضاة الذين سبق وأعلنوا توقفهم عن العمل لا يزالون مستمرين في الاعتكاف ولم يعودوا عن قرارهم، ومن غير المعروف إذا كان القضاة الذين لم يتخذوا قرارهم سيلتحقون بمن إعتكفوا أم سيكملون في عملهم لأنهم في طور التشاور بشأن القرارات التي يمكن أن تتخذ في الساعات المقبلة.

ورأى أن “هذا كله ناتج عن النقمة العارمة في القضاء بالنسبة الى وضع القضاة وليس هناك أي تحسن على الاطلاق، بل عودة متسارعة إلى الوراء في ما خص رواتبهم والتقديمات الطبية والصحية والتربوية والاجتماعية، فهذه الأمور تؤثر على عمل القضاء وأدائه، فإذا إستمرت الأمور على ما هي عليه من الممكن أن نشهد إعتكافاً قضائياً أوسع”.

شارك المقال